ولا كل من عشق الوطن قوّال ولا كل من ركب الكلام خيّال ولا كلّ من رسم النهار ينفع نتدفى في عنيه ونقوله يا خال هكذا كتب الشاعر سعيد شحاتة في مطلع قصيدة كبيرة عن رحيل الأبنودي .. وتساءل :ماذا لو رحل الأستاذ؟ وهو سؤال طرح نفسه على أجيال كثيرة ومتعاقبة ولم يجد أي منّا رده المناسب في مخيلته، وبمنتهى البساطة والعفوية يجيب الأستاذ نفسه على هذا التساؤل عندما ينسحب من المشهد ويسدل ستاره عليه، هذا ما فعله الخال معنا الآن، أجاب على تساؤلنا ببساطته المعهودة ورقّته المفرطة. يتابع الشاعر : رحل الأبنودي وترك جبالا من الشعر وأنهارًا من السلسبيل، رحل وكلنا يقين أنه كان يعشق الحياة لأنه يعشق مصر، ولكن مصر لم تتمكن من الإمساك بعشيقها، القدر أقوى وسهم النهاية أسرع من رد فعلها. علمت بالخبر وأنا في مقر عملي فدارت في مخيلتي صورة أمي الحزينة، أمي التي كانت دائمًا ما تسألني عن هذا الرجل، فأجيبها بخير، الأبنودي بخير، هو مافيش غيره في مصر، فتضحك قائلة يا واد دا الخير والبركة بتاعكم، طيب بذمتكم حد يعرف يقول زيّه، أبتسم لها قائلا: ربنا يديه الصحّة.. ويستطرد : أمّي تعشق أشعار الخال، وعلمتني منذ الصغر أن أستمع إلى أغانيه –دون أن تعلم أنها كلماته- فأنا من أخبرها أن هذه الأغاني من كلمات هذا الرجل، وأنا من أخذ بوستره عام 2001 من معرض الكتاب لأعلقه أمام عينيها، وأنا من اتهمته أمّه بالتقصير عندما استمعت إلى قصائد الخال، وأنا من أدرت مؤشر التلفاز لأسمعها الخال دون وسيط غنائي.. وأنا من تعايره أمّه بضآلته أمام هذا الجبل العتيد العتيّ. علمت بالخبر ولم أعلم بما سيدور في صدري تجاه هذا الخبر، لم أصدّق "هل يموت الذي كان يحيا كأن الحياة أبد" هل يموت الذي علّمنا معاني الحياة من خلال أشعاره وحكاياه، هل يموت الذي علّم أمي الغناء... إنه القدر الذي لا مفر منه.. هذه رحلة الشعر وهذا خطها الفاصل، رحل الجسد وبقى الشاعر. سرت من مقر عملي إلى بيتي أردد "يا حبيبي يا عمو لامبو.. روحي يا ماما الكنيسة وسيبيني قاعده جنبه" "الوداع يا عمو لامبو" لا أعرف ماذا سأقول لأمي عندما أراها، كل ما أعرفه أنها ستعايرني بتقصيري، وستوصيني بإلقاء أشعار هذا الرجل على مسامعها!