هو تلميذ للمفكر الكبير الدكتور زكي نجيب محمود، الذي درّس له في قسم الفلسفة بجامعة القاهرة، فتأثر بدروسه في الوضعية المنطقية، لكن عبدالرشيد الصادق محمودي – الذي وصل اليوم إلى عامه السابع والسبعين، ونال مؤخرًا إحدى أهم الجوائز العربية "جائزة الشيخ زايد للكتاب – فرع الآداب" عن روايته "بعد القهوة" – سرعان ما تشكك في هذا المذهب الذي أتى به أستاذه زكي نجيب لكونه يرفض جميع المذاهب الفلسفية ويعتبرها ميتافيزيقية، وهذه الميتافيزيقية في رأي الوضعية المنطقية كلام فارغ من المعنى. وقال لنفسه: "إن فلسفة ترفض كل ما عداها من الفلسفات لا يمكن أن تكون سليمة"، لكن علاقته الشخصية بأستاذه الراحل ظلت قوية، واستمرت حتى بعد أن سافر محمودي إلى إنجلترا في بعثة. ويكتب الأديب مصطفى عبدالله : يؤكد محمودي – الذي رافقته إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي ليتسلم أول جائزة في حياته – أن زكي نجيب محمود أسهم إسهامًا كبيرًا في تطوره الفكري، فقد حرضه بعد التخرج من قسم الفلسفة، على ترجمة السيرة الذاتية لبرتراند راسل "فلسفتي كيف تطورت" إلى العربية. وقد تردد محمودي في النهوض بهذه المهمة التي شعر بصعوبتها، وبدا له أنه غير مهيئ بعد لترجمة هذا العمل الضخم، لكن أستاذه أصر وشجعه بقوله: "ترجم الكتاب ولا تقلق.. فسأراجعه بنفسي، وأكتب مقدمته". اقترح محمودي أن يترجم ثلاثين صفحة فقط، فإذا أرضت أستاذه واصل الترجمة، أما إذا لم تَرٌق له توقف على الفور، وبالفعل ترجم الجزء المقترح، وحاز إعجاب زكي نجيب محمود، فواصل العمل حتى انتهى من الكتاب كله. ويشير محمودي إلى أن الدكتور زكي نجيب محمود صعد إلى غرفته وعاد يرتدي ملابس الخروج، وقال له: "هيا بنا"، فاستفسر محمودي: "إلى أين يا دكتور؟"، فأجابه: "إلى ناشري"، وذهبا معًا إلى صبحي جريس صاحب "مكتبة الأنجلو المصرية" وقدم له مسودة الترجمة، فتردد الناشر وأوشك على الاعتذار بحجة أن شابًا مثل محمودي يصعب عليه الاضطلاع بترجمة سيرة رسل، فبادره الدكتور زكي نجيب قائلًا: "انشره على مسئوليتي، وسأقرره على طلبتي من العام المقبل"، وقد كان. وهنا يعلق الكاتب مصطفى عبدالله : يا سلام .. أنظروا كيف كان زكي نجيب محمود يساعد طلابه، وكيف كان شديد الحماس للعمل الجاد، وشديد التدقيق فيه، ولم يكن يدخر وسعًا في مساعدة أحد من تلاميذه، وقد كان هذا الكتاب لبرتراند راسل "فلسفتي كيف تطورت" أول ترجمة تصدر لمحمودي. وإزاء نجاحه في هذه التجربة الأولى بادر الدكتور زكي نجيب بالاستعانة به في مشروع أضخم، وهو ترجمة "الموسوعة الفلسفية المختصرة"، بالاشتراك مع فؤاد كامل وجلال العشري. وقد أجاز الأستاذ ترجمتهم، وأضاف إلى الموسوعة عدة مقالات كتبها بنفسه في الفلسفة الإسلامية. ويسافر محمودي إلى إنجلترا قبل صدور ترجمة هذه الموسوعة المهمة، لكن الصلة بينه وبين أستاذه تمتد أثناء إقامته الأولى في لندن، وقد اعتاد الدكتور زكي نجيب، كلما ذهب إلى لندن، أن يزوره في منزله ليطمئن عليه، فقد كان الرجل صديقًا لطلابه وأبًا عطوفًا عليهم، وهو لم يكن يخص محمودي وحده بهذا الكرم، فقد كان يساعد غيره من تلاميذه المحتاجين ماليًا، ويسعى لتوظيفهم بعد التخرج. يرى الكاتب أن الأديب المحمودي كان يمتلك أسلوبًا ناصعًا لأنه نشأ في وسط أدبي ضم: طه حسين، العقاد، أحمد أمين، وهؤلاء الأعلام كانوا مثله الأعلى، لكن لسوء حظه أنهم كانوا من الشهرة والضخامة بحيث أصبح مغمورًا بالنسبة إليهم! والدكتور عبدالرشيد الصادق محمودي في سطور هو موظف سابق في منظمة اليونسكو بباريس، بدأ حياته في المنظمة كمترجم، فرئيس لتحرير الطبعة العربية من مجلة "رسالة اليونسكو"، فأخصائي برامج في قطاع الثقافة، فمستشار ثقافي. درس الفلسفة بجامعتي: القاهرةولندن، وحصل على دكتوراه (في مجال دراسات الشرق الأوسط) من جامعة مانشستر، مارس الكتابة الإذاعية للبرنامج الثاني في إذاعة القاهرة وللقسم العربي في البي بي سي بلندن، كما اشتغل بالترجمة في القاهرةولندن. وهو كاتب متعدد الاهتمامات: شاعر، قاص، روائي، مترجم، وباحث في مجالات الفلسفة والنقد وتاريخ الأدب، نشر مجموعة شعرية "حبًا في أكلة لحوم البشر" عن مركز الحضارة العربية، بالقاهرة 2006، وثلاث مجموعات قصصية: "ركن العشاق" عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 2007، "زائرة الأحد" في سلسلة كتاب اليوم، القاهرة 2009، "اللورد شعبان" عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 2004، وروايته الأولى "عندما تبكي الخيول" صدرت في سلسلة "روايات الهلال"، القاهرة، 2009، وله مؤلفات عدة في المجالات الأخرى المذكورة. رواية "بعد القهوة" هي روايته الثانية، وقد صدرت عن مكتبة الدار العربية للكتاب بالقاهرة 2013، وهو منشغل هذه الأيام بإعداد بحث عن العلاقة بين النقل والعقل أو الشريعة والفلسفة كما طرحت في الإسلام وفي الغرب. وقد صدرت له في مجال الترجمة: برتراند رسل "فلسفتي كيف تطورت – الطبعة الثانية عن المركز القومي للترجمة، القاهرة 2012، بعد أن صدرت الطبعة الأولى عن مكتبة الأنجلو المصرية، وترجم مع آخرين "الموسوعة الفلسفية المختصرة" في مشروع "الألف كتاب"، القاهرة 1962، "طه حسين، من الشاطئ الآخر"، كتابات طه حسين الفرنسية في طبعتها الثانية عن المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2008. كما حقق وقدم "طه حسين، الكتابات الأولى" الذي صدر عن دار الشروق، القاهرة 2002، وله مؤلفات بالإنجليزية.