احتفل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بالذكرى الثالثة لتقلده زمام الحكم في البلاد بكسر الإقامة الجبرية، التي فرضتها عليه جماعة "الحوثي" طيلة أربعة أسابيع في منزله بالعاصمة صنعاء، وتمكن من الهرب الى مدينة عدن الجنوبية، أمس السبت، ليعيد الأمور في البلد المضطرب، منذ سبتمبر/أيلول الماضي، إلى نقطة الصفر. وقدّم "هادي" استقالته من رئاسة اليمن في 22 يناير/كانون الثاني الماضي تحت وطأة اجتياح مسلح للحوثيين مقار رئاسية داخل العاصمة منها منزله، لكن البرلمان الذي وجه له خطاب الاستقالة باعتباره السلطة الدستورية الأولى في البلاد، لم يلتئم حتى اليوم، ولم يبت في أمر الاستقالة، وجعل من "هادي" رهينا لمنزله تحت إقامة جبرية قبل أن تشرع جماعة الحوثي في إجراءات أحادية ضمن ما سمي "إعلانا دستوريا" قضى بحل البرلمان ومنح اللجنة الثورية التابعة صلاحيات تشكيل مجلس رئاسي لحكم البلاد. وبنفس الطريقة الصادمة التي استقبل بها الحوثيون نبأ استقالة "هادي" من منصبه قبل شهر كان الرجل يسدد ضربة أخرى للجماعة، التي أعلنت الخميس، أنها بدأت بالشروع في تشكيل مؤسسات الدولة وذلك بإفلاته من قبضتهم والتوجه الى محافظة عدن ليعلن من هناك بيانا حمل توقيعه كرئيس للجمهورية اليمنية. ولأنه لا يملك تلفزيونا خاصا، كما أن تلفزيون "عدن " الرسمي تم إيقاف بثه من قبل جماعة الحوثي في يناير/كانون الثاني الماضي، سّرب هادي بيانه الأول الرافض ل"انقلاب" الحوثي لقناة "الجزيرة" القطرية صاحبة الجمهور العريض في الشارع اليمني، وأكد تمسكه باستكمال العملية السياسية المستمدة من المبادرة الخليجية. وقال هادي، في البيان الذي وصفه مراقبون ب"الرصاصة التي استقرت في جمجمة الانقلاب"، أن كافة القرارات والإجراءات منذ 21 سبتمبر/أيلول "يوم اجتياح الحوثيين المسلح لصنعاء" خارج إطار الشرعية "باطلة"، كما طالب برفع الإقامة الجبرية عن رئيس الحكومة المستقيلة "خالد بحاح" وكافة رجالات الدولة. وفيما كان الشارع اليمني يتخوف من مقامرة قد يقدم عليها "هادي" بإعلان الانفصال بعد إفلاته من قبضة الحوثيين في صنعاء، دعا الرئيس هادي لانعقاد "الهيئة الوطنية" للرقابة على مخرجات الحوار في محافظة عدن أو تعز الشمالية. ووصف الصحفي "عبدالعزيز المجيدي" مغادرة هادي لصنعاء، بأنها "بطولة تستحق أن نحني لها رؤوسنا لأنها بمثابة رصاصة مسدس استقرت في جمجمة الانقلاب، وأزلامه الطائفيين". وقال المجيدي، وهو رئيس تحرير صحيفة الشاهد الخاصة، لوكالة "الأناضول" الإخبارية: "بيان الرئيس الشرعي الذي تعرض لأبشع قرصنة في التاريخ كان حكيما ومفعما بالمسؤولية الوطنية، تصرف كرجل دولة حقيقي، لا يفكر بالانتقام بقدر ما يفكر بإعادة الأمور إلى نصابها". وبسبب هول الصدمة لم تتوحد ردة فعل الحوثيين على فرار "هادي" من العاصمة، ففي حين أعلنت اللجنة الثورية، التابعة لهم والمنوطة بإدارة شؤون الدولة في بيان لها، استغرابها مغادرة هادي لصنعاء عن طريق التخفي، كان متحدثون آخرون باسم الجماعة يقولون إنه لم يعد رئيسا للبلاد وأنه مطلوب للعدالة، كما أورد محمد المقالح عضو اللجنة الثورية. وفي تعليقه على ردود الأفعال الحوثية يرى "المجيدي" أن "المحصلة تشير أن الجماعة ماضية في جنونها المألوف وهو تأكيد أن الجماعة قامت بما قامت به وهي غير مكترثه بما يمكن أن تتعرض له البلاد من أخطار، وقد تنزلق الى حرب أهلية". ولم تصدر ردود فعل إقليمية أو غربية على بيان هادي، وتمسكه بالعملية السياسية المبنية على المبادرة الخليجية، بل إن الأممالمتحدة سارعت عبر المبعوث الدولي إلى اليمن "جمال بنعمر" الى نفي أي صلة لها بتسهيل هروب هادي إلى عدن. ووفقا للصحفي المجيدي فإن المحك الحقيقي الذي سيعيد ترتيب الأمور في اليمن بطريقة أكثر انصافا لليمنيين هو "ما الذي ستكون عليه مواقف دول الإقليم، واليمنيون يطالبون هذه الدول التي تدخلت في فترة سابقة بمبادرة خليجية، أن تقوم بما يملي عليها مسؤوليتها بالاستمرار في دعم الشرعية ومساندة اليمنيين". ويرى مراقبون أن الرئيس اليمني يواجه تحديا حقيقيا في الفترة القادمة يحتاج لوقت يلتقط فيه أنفاسه بعد أشهر عصيبه قضاها ما بين الاقامة الجبرية ووطأة الاجتياح المسلح للحوثيين منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، قبل الشروع في إقالة كافة القادة العسكريين المتورطين بمساندة "الانقلاب"، ودمج الجيش على أسس وطنية وبنسب متساوية بين جميع المحافظات. وقال الكاتب والمحلل السياسي سامي نعمان: "إن هادي يحتاج، إن أراد أن يصلح مسار رئاسته، لقدرات خارقة لاستعادة زمام الأمور، يحتاج لعقول راسخة، يحتاج لكل شيء رزين وصارم، وجاد ومؤثر، يحتاج لصياغة آلية إدارة مشتركة للمحافظات الخارجة عن سيطرة الحوثيين سياسيا وعسكريا، وأن يدرس بعناية وجدية كل الخطوات التي سيقدم عليها". وأضاف نعمال ل"الأناضول": "هادي بحاجة إلى أن يشكل حكومة انقاذ وطنية، وأن ينقل صلاحياته للإدارة السياسية والعسكرية التي تحكم المناطق الخاضعة لسلطته، وإلا فأمر فشله في الجنوب، أو ما هو أبعد من الجنوب سيكون أبسط من أمر فشله في صنعاء".