المرأة تنقذ الرجل من الاكتئاب أدب الانحدار والتدهور انتشر بعد الثورة في انجلترا هناك موظفون للتخفيف عن المحبطين ولمنع الانتحار! لا يشغلني الأكثر مبيعاً..وهناك تحامل على الأدب الجيد بطل يطارد شبح الانتحار، لكن الموت لم يظفر به، يخلص لمحبوبته رغم زواجها، ويفر ممن تحبه بإخلاص، مصائر متشابكة ورحلة طويلة يكتشف فيها ذاته يبيع الزهور تارة ويتنقل بين مهن عديدة في دبلن تارة أخرى، عن "معتز" بطل رواية "خمارة المعبد" لبهاء عبد المجيد نتحدث. المؤلف هو مدرس أدب إنجليزى بجامعة عين شمس، وترجمت روايتاه "سانت تريزا" و"النوم مع الغرباء" إلى الإنجليزية، وصدرتا من دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة. "محيط" حاور مؤلف "خمارة المعبد" بعد صدور الترجمة الإنجليزية لروايته عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة، بترجمة جونسون رايت ، التي قال عنها أنها مكتوبة بصدق شديد، وأنها رواية "انتحار". وأوضح عبدالمجيد أن الرواية صرخة تنبأ فيها بالثورة، مؤكداً أننا جميعاً نعاني من التطرف وانغلاق الأفق، وأن الثورة لم تمس الثقافة بعد..إلى نص الحوار: "معتز" في الرواية يقارن بين مصر وأيرلندا.. فكيف ترى البلاد حاليا؟ مع كل توابع الثورة التي نراها، فمصر أفضل حالاً من قبل الثورة، فهناك شئ تميز به الشعب المصري وهو النضج، فقد شعر الإنسان المصري بأن هناك حرية وأصبح هناك تكتل جمعي قادر على التغيير، لأول مرة يخرج الشعب ويثور، ليس فقط من أجل العيش والطعام بل من أجل الحرية. كتبت الرواية قبل الثورة، وإذا أعدت كتابتها سأتناول كيفية حدوث تطور حداثي، كيف يمكن أن نتحضر ثانية كما كنا في السابق، كيف نبني مؤسساتنا من جديد، كيف يمكننا أن نصلح التعليم وكيف يشارك الدين مع الأدب في إصلاح المجتمع، كيف نحترم الحريات الشخصية، وكيف يكون الحب حقيقة، دون إدعاءات. هل ترى أن المتطرفين دائماً يقفون في خندق واحد حتى وإن بدوا أعداء؟ بالطبع، فالعنصرية توجه، والإنغلاق أفق، التطرف موجود عند كل الناس أيّاً كانت توجهاتهم، السلفي الإخواني، الليبرالي الاشتراكي، السني والشيعي، وما يفرق هو كيفية التعامل كل مع الآخر نتيجة اختلاف التوجه الفكري، هذا يؤثر على استقبال الآخر، وتلك أزمة تنتج عن غياب التوافق والتسامح، فالحضارة التي تقف عند كيفية قبول الآخر وترفض التطور هي حضارة مريضة، الحضارة السليمة هي التي تقبل الآخر وتسمح بنوع من الاختلاف. وأرى أن التسامح وقبول الاختلاف، يجب أن ينظم بالقوانين وليس بالعرف الذي قد يضيق أحيانا ولا يتسع للجميع، الحل في قوانين مدنية تحمي الحريات بالقانون، فالشعوب في الغرب تفعل ما تريد لكن هناك قوانين رادعة، فهناك كاميرا تراقب الحافلات، دون الحاجة إلى رجال شرطة، فالمجتمعات مراقبة جيداً، لكنهم يعطون الشعب إحساساً بالحرية. المكان فى هذه الرواية هو البطل الحقيقى، فمن خلال "خمارة المعبد" يرى قارئ الرواية الكثير من الشخوص والأحداث، فهذا هو صاحب المنزل الأيرالندى المتعصب والذى يطرد معتز ليس فقط لأنه لم يدفع الإيجار، ولكن لأنه يكره العرب والمسلمين. أيهما أصعب كتابة القصة أم الرواية؟ رغم صعوبة القصة لأنها تتطلب التكثيف، إلا أن كتابة الرواية أصعب، لكن الكاتب هو في الحالتين مبدع. القصة القصيرة ليست سردية، لكن الرواية تخلق مصائر وشخصيات تتطور وأقدار، وسرد كبير وحوار، وتدلل على قدرة الفنان على أن يخلق عالم أشبه بالحياة، فمثلاً الكتابة عن الثورة صعبة لان الواقع أحيانا يكون أقوى من الخيال، وهذا هو السبب في عدم ظهور روايات قوية عن الثورة. لماذا يتجه الكثير من الشباب للانتحار ؟ فعلاً، أصبح حلاً سريعاً للخلاص من الحياة، وأرى أنه يصبح كذلك حين يغيب دور المرأة عن حياة الرجل، فالمرأة تلعب أدواراً متعددة في حياة الرجل وتستطيع إنقاذه من الاكتئاب. وهذا ما ركزت عليه في روايتي، فمثلاً "سهام" رفضت خداع "معتز" وكان رفضها له في الرواية رأفة به، لأنها لا تريد خداعه، و"حنان" قبلت به، في حين استطاعات أمه أن تنقذه من الاكتئاب وتعيده إلى حياته من جديد، فأنا أعول على المرأة كثيراً في حل كثير من المشكلات. وقد عشت في اكسفوردبانجلترا، وحين كنت أسير وحدي ليلاً في الشوارع هناك، كنت أجد من يستوقفني ويسألني عن مدى حاجتي إلى المساعدة أو الحديث، وهل أنا محبط وأحتاج من يسري عني أم لا، وعرفت أن هؤلاء موظفين يتقاضون أجراً للتخفيف عن المحبطين لمنع الانتحار، في مصر الشعب وحيد وغير سعيد ومثقل بالضغوط، لذلك يكون من السهل الانفجار مع أول مشكلة بسيطة واللجوء إلى الانتحار. وقد صنف مترجم "خمارة المعبد" الرواية على أنها رواية انتحار، وقال أنها مكتوبة بطريقة غريبة وصادقة، كأنها رحلة في عقل ونفس "معتز" بطل الرواية، لنشعر بالآخر في غربته، حيث يصبح أكثر حساسية تجاه البشر، وبالحب يمكننا شفاء جميع الأمراض. كيف ربطت بين "الخمارة" و"المعبد"؟ عنوان الرواية به حيلة، فهناك في أيرلندا مكان اسمه "تمبل بار" أي "خمارة المعبد"، وهذه هي الحيلة، فالرواية تركز على هذا التناقض، واوهام معتز قبل سفره، وفكرته عن الحب والوطن والنمو النفسي والجسدي، ومفهومه عن المرأة والعلاقة معها، فالرواية تتبع نمو شخصية البطل معتز، دواخله وبواعثه النفسية، ومفهومه عن الحياة والمرأة المحبوبة. أريد أن أقول في الرواية أن اوهام الإنسان قد تضلله، وتجعله يقع في الشرك، فقد تصور له أنه ذاهب إلى المعبد ليتطهر بينما هو يدنس!. الرواية كذلك تتحدث عن النظرة المثالية للوجود، لذلك كتبتها بلغة صوفية أو تراثية،على لسان "معتز" الذي جاءت لغته مستمدة من قاموسه المعرفي الأدبي الذي استطاع والده المتدين أن يشكله له. تنبأت في روايتك باندلاع الثورة..هل كنت تراها؟ كان هناك حتمية في قيام الثورة، والكاتب عادة لديه رؤية مستقبلية للأشياء، جميعنا كان يرى السأم المجتمعي، وحالة الضجر والرغبة في التغيير، وكنا نؤمن بضرورة الثورة، لوجود شباب اطلع على عوالم مختلفة وقارن حالهم بمصرالتي لم تحقق شيئاً لأبنائها، هذا التناقض جعل هناك رغبة ملحة في التغيير، فالمصريون سأموا من الوجوه القديمة والعجائز. عبرت عن الثورة بشخصية "معتز"، فرغم مظهره الساكن، إلا أن بداخله ثورة ولديه رغبة في التغيير والتحرك، لذلك حدث له اضطراب، نظراً للصراع بين الساكن والمتحرك بداخله، والرواية كانت صرخة داخلية للتغيير. هل يروي بطل الرواية سيرتك بشكل ما ؟ حاولت في الرواية أن أخلق بطل سيرة، لكنه ليس بهاء، حاولت أن أخلق من الكاتب بطل، لكنهما انفصلا، بدأ "معتز" يتحرك، يقترب ويبتعد مني حتى انفصل عني، واجتهدت بعد ذلك لأن يكون معتز بطل منفرد ومستقل عن الكاتب نفسه. هل ترى أن الثورة مست الثقافة؟ الثورة مست الثقافة في ازدياد النشر، لكننا نعيش تحامل على النشر الجيد، فقد انتشر أدب الانحدار والتدهور بعد الثورة، فقد ظهرت كتابات مجوفة ومتعلقة بالعنف والدموية والجنون على السطح وأصبحت تنتشر في أوساط الشباب، الأمر الذي يجعلني اتساءل هل الشباب سيعود لقراءة الأدب الكلاسيكي مثلما كان يحدث في السابق، الآن للأسف أصبحنا نرى الشباب يقرأ مثل هذه الأعمال السطحية ويكتفي بها. وهذا يذكرني بأفلام المقاولات في الثمانينات والشعار الذي كان يرفعه المنتجون "الجمهور عايز كده"، لذلك أعطي كثيراً من وقتي للورش الكتابة، ليس لأني موهوباً، بل لأعرف هذا الجيل الجديد على أدب نجيب محفوظ ويوسف إدريس وساراماجو، ولأقاوم هذه الأفكار السطحية التي أشعر أن هناك قصد من وراء انتشار هذه الكتب. ولا تشغلني فكرة الأكثر مبيعاً، فروايتي "سانت تريزا" طبعت منها خمس طبعات، فالادب حين يكون جيداً سيقرأ ويفرض نفسه، وما يضايقني هو انتشار الكتب المزورة، فالاستنساخ يضيع حقوق الملكية الفكرية. لذلك نحن ندور في دائرة مغلقة، فالثقافة هي المؤشر على نجاح الثورة أو فشلها، ولا زلنا نعاني مشاكل كثيرة تدل على ان الثورة لم تمس الثقافة، منها ضياع حقوق الملكية الفكرية للكتاب، ومشكلة توزيع الكتاب، نحن نريد أن تفك الدولة يدها عن النشر، فهناك مجاملات ومحاباة تحدث في النشر الحكومي، كذلك إعطاء الأقارب فرص في المؤسسات الثقافية سواء كانوا يستحقوها أم لا. كل هذه مشكلات تعاني منها الثقافة، بجانب الحروب الثقافية على المواقع والمناصب وفي النهاية لا شئ يقدم للطلاب، فمكتبات الجامعات فقيرة، الأمر الذي ينعكس على الحياة كلها، فالثقافة طريقة تفكير ومعيشة وهي التي تغير المجتمع. ما هو جديدك المنتظر؟ أعمل على رواية تاريخية جديدة بعنوان "القطيفة الحمراء"، والآن وصلت إلى مرحلة المراجعة النهائية لها.