رجال يختطفون رجالا في مدغشقر.. هو ليس "تريلر" لشريط سينمائي ولا عنوان رواية أو قصة بوليسية، بل هو توصيف لظاهرة حقيقية تعاني منها مدغشقر منذ فترة من الزمن، وتستهدف بشكل خاص أفراد الجالية الهندية في البلاد فمع تفاقم الاختطافات، طفت لعبة الرهينة والفدية إلى سطح الأحداث من جديد، فكان أن بدأت تلك الصورة المشرقة التي تحاول السلطات الملغاشية تسويقها عبر العالم عن الجزيرة الكبيرة، كوجهة سياحية خلابة، بالتلاشي تدريجيا، ليعود جزء كبير منها إلى العتمة، في بلد خرج لتوّه من أتون أزمة سياسية عاصفة. ووفقا لما جاء على وكالة "الأناضول" للأنباء قال "جون ماتا راكوتوندراسوا"، رئيس المصلحة المركزية للقسم المركزي للجنايات في الشرطة إنّ "الفترة الفاصلة بين عامي 2013 و2014 شهدت 17 حالة اختطاف، وهو أعلى معدل في ال 20 سنة الماضية" مضيفا أن هذا الرقم ليس مستفيضا كونه يقتصر على "الأبحاث التي قامت بها الشرطة ولا يشمل ملفات تشكيات الضحايا أوأقربائهم". وتشهد مدغشقر في الآونة الأخيرة تفاقما لظاهرة الاختطافات ما يطعن في إشراق الصورة التي يسعى المسؤولون في مدغشقر إلى تسويقها للعالم، في وقت ما تزال البلاد تعيش فيه هشاشة خلّفتها الأزمة السياسية التي عصفت بها لفترة من الزمن. "راكوتوندراسوا" يؤكد للأناضول أن هذا الملف يشغل بال السلطات مباشرة بعد جرائم القتل والهجومات المسلحة، قائلا "البلاد خرجت للتو من أزمة سياسية امتدت على 5 سنوات، وهي تسعى إلى الاستقرار والأمن لجلب المستثمرين وإعادة الديناميكية الاقتصادية". من جهته، قال المفتش "آلان برونو أندريانيرينا"، رئيس الشرطة القضائية أنّ مستوى تسليح العصابات القائمة وراء عمليات الاختطاف يبدو "أعلى يوما بعد يوم"، مشيرا إلى أنّهم "مجهزون بأسلحة هجومية مثل الكلاشنيكوف والقنابل اليدوية، والتي يقتصر حملها على قوات الشرطة". ويلفت " أندريانيرينا" إلى أنّ المهاجمين عادة ما يطالبون أقرباء الضحية المختطفة بفدية تقارب ال 130 ألف يورو، ولكنّهم يوافقون في الغالب على تسريح الرهينة مقابل 300 مليون فرنك ملغاشي "نحو 20 ألف يورو"، في بلد لا يتجاوز فيه الأجر الأدنى المضمون 25 يورو شهريا. غير أنّ المتأمّل في التسلسل الزمني لحوادث الاختطاف في مدغشقر، سيلحظ، دون كبير عناء، أنّها ليست وليدة لللحظة، بل أن جذورها تمتد إلى الماضي القريب. "راكوتوندراسوا" بادر بالقيام بأبحاث حول تاريخ حوادث الاختطاف في مدغشقر، وخلُص إلى أنّ الظاهرة "دورية"، وأنّ ظهورها مرتبط بالأزمات السياسية التي رافقت تاريخ البلاد. "أولى سلسلة اختطافات مرفوقة بطلب لدفعة فدية تعود إلى عام 1994، بعد ذلك تراجعت عمليات الاختطاف قبل أن تعاود الظهور من جديد في سنوات ال 2000"، بحسب المسؤول الأمني. "راكوتوندراسوا" لفت إلى أنه على الرغم من استكمال تفكيك "العصابات المنظمة" التي تقوم بهذه الأعمال منذ العام 2004، إلا أنّ الظاهرة المشينة عادت لتضرب من جديد في 2009 مستهدفة بشكل خاص الجالية الهندية في مدغشقر. البعض من أقارب ضحايا عمليات الاختطاف، على غرار أحد أعضاء لجنة تحرير "أووين آليك"، وهو شاب يبلغ من العمر 25 عاما تعرض للاختطاف منذ يونيو/حزيران 2014 الماضي، يلقون باللوم في انتشار عمليات الاختطاف على السلطات. يقول عضو هذه اللجنة مفضلا عدم الكشف عن إسمه إن "الدولة لا تقوم بشيء لقد ظهر انعدام الأمن منذ اندلاع الأزمة (الأزمة السياسية في مدغشقر)". وما يزال "آليك" محتجزا كرهينة إلى حدود هذه اللحظة على الرغم من دفع ذويه الفدية المطلوبة لإطلاق سراحه. من جانبهم، لم يقف المسؤولون الهنود مكتوفي الأيدي أمام عمليات الاختطاف التي تستهدف بشكل خاص رعاياهم في مدغشقر، حيث لفتت السفيرة الهندية في مدغشقر نظر السلطات الملغاشية إلى أنّ "المشغلين الهنود يتعرضون للاختطاف هي إشارة سيئة للجالية الهندية التي تدير بعض الأعمال هنا"، بحسب "مادان لاي رايغار" القائمة بأعمال السفارة الهندية بمدغشقر. وعلى الرغم، من تجند قوات الأمن الملغاشية لمطاردة عناصر عصابات الاختطاف، ما تزال الأدمغة المدبرة لهذه العمليات في حالة هروب، فيما لا يستبعد "بليز رامانديمبيزوا"، وزير الداخلية في مدغشقر وجود "حالات تواطؤ صلب قوات الأمن نفسها". وإن كان وزير الداخلية قد صرح لوسائل الإعلام مؤخرا أنه "لا أدلة على هذه النظرية"، فإنه أكّد، في حال اكتشاف بعضها، أنّه "لن يكون هناك تسامح أو رحمة في التعامل معها". "أندريانينا" أشار من جانبه إلى أنّ تفكيك شبكات الاختطاف يصطدم بعوائق كبيرة لعل أبرزها تلك المتعلقة ب "امتناع أقارب الضحية عن إعلام قوات الأمن خشية رد فعل العصابات المختطفة". غير أنّ ذلك تكن تلك حال أسرة "أوين أليك" التي خرجت عن صمتها وقامت بتنظيم حملة إعلامية شملت نشر معلقات بصورة "أوين" في عدد من المدن الملغاشية، ولم تكتف بذلك بل خصصت مكافأة تبلغ 13 ألف و500 يورو لكل شخص يقدم معلومات تساعد على العثور على إبنها، كما أنشأت الأسرة صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك لبلوغ هدفها. وحرص عضو "لجنة تحرير أوين"، في حديثه للأناضول، على توجيه رسالة للملغاشيين مفادها أنّ الجميع معنيون بظاهرة الاختطاف: "ينبغي أن يعي كل ملغاشي، مهما كانت أصوله ، أن الضحية القادمة قد يكون طفله أو شقيقه أو والده أو شقيقته أو إحدى قريباته".