سنوات وسنوات وهو يسمع زقزقة العصافير علي الشجرة. الشجرة التي في قلب فناء البيت. ونافذة حجرة النوم علي الفناء.حين يغمض عينيه آخر النهار. يسمع عصافيره وهي ذاهبة إلي النوم. وتفتح أصواتها الرقيقة عينيه عند طلوع النهار. وكثيرا ما كانت تقترب منه هذه العصافير الصغيرة. دائما دون موعد، فجأة يحط عصفور جريء علي حافة النافذة. يتأمل الحجرة يقفز برشاقة وثقة.وهو راقد في تلك اللحظات النادرة يحملق في العصفور يحاول النفاذ إلي أفكاره. ماذا يري. كيف سجن الحجرة وأحلام سجينها.أما هو فلا يملك سوي مشاعر الدهشة من مغامرة العصفور الصغير. يتمني لو يحدث العصفور ويحدثه. وأن يقول له انه يغبطه من أجل هذين الجناحين الساحرين. اللذين يحملانه في الهواء. هنا وهناك. فوق الشجرة وعلي حافة النافذة من طفولته ابتعد عن أقرانه الذين يمارسون الشقاوة في الشارع. ويطاردون العصافير ويلقون الأحجار علي أعشاشها فوق الشجر. ثم انه خرج يلعب في حديقة قريته ذات يوم مع ابن العم الشقي الذي يكبره بأعوام ثلاثة انطلقا يلهوان بين الأشجار القديمة. تسلق ابن العم إحداها لكن الخوف سمره في مكانه. وتصبب بالعرق.ذهبا إلي النافورة وبلل وجهه وشعر رأسه. وجلس الاثنان تحت الشمس علي الكلأ الأخضر يلتقطا أنفاسهما. اقترب رجل رث الثياب حاد النظرات وتوقف بالقرب من الشجرة. أخرج من ملابسه فخا صغيرا مصنوعا من أسلاك قوية. خبأ الرجل الفخ تحت الثوب. ثم نثر عليه بعض الحبوب. وابتعد قليلا ينتظر وهو ينظر إلي الفخ تارة وإلي سمار الحديقة تارة أخري. دقائق حبس فيها أنفاسه رغما عنه وهو يتابع ما يجري. بينما أغلق ابن العم عينيه وراح في غفوة من بعيد جاء عصفور يرفرف بجناحين صغيرين. دق قلب الصغير بالهلع حين رأي العصفور يحط علي الأرض بالقرب من الفخ الذي يخفيه تراب ممر الحديقة. ابعد يا عصفور. هتف في قلبه بصوت مخنوق. أوعي الفخ والصياد هناك يراقبك. ياعصفور من قال ان الخطر يكمن في اتجاهين فقط. القدر يأتي من الاتجاهات الأربعة ومن تحتها وفوقها. لكن العصفور كأنه لم يسمع. كأنه يعاند. ففر برشاقة مسافة صغيرة. لكنها في اتجاه الفخ. والصغير ينظر مسلوبا كالنائم وقد استولي عليه المشهد. والصياد من مكانه يراقب العصفور. وقد انتفضت حواسه ومكامن الشر في داخله. العصفور فتح عينيه الضيقتين منذ فقست به البيضة. علي طعم الحرية في عش علي شجرة. لم يعرف معني القيود. فما ان قوي جناحاه. حتي أصبحت السماء ملعبه. والسحابات البيضاء رفيق طيرانه. وما أن مد العصفور منقاره نحو الحبوب. حتي انشقت عنه الأرض وفي دوي مخيف انطبق علي رقبة العصفور. الذي أخذ يتلوي في ذهول والأسلاك الحديدية تقضم عنقه الضعيف. حدث ما حدث وكبر الصغير لكنه أبدا لم ينس العصفور والصياد والفخ. .