في اليوم الرابع من الهجوم الإسرائيلي على غزة الذي أودى بحياة أكثر من 85 فلسطينيا، استمرت الطائرات بقصف عدة مناطق من القطاع بالتزامن مع تصاعد وتيرة إطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي الإسرائيلية، وذلك على وقع اجتماع طارئ لمجلس الأمن. وبينما كان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، يدعو إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في مستهل اجتماع طارئ لمجلس الأمن، كانت الطائرات الإسرائيلية تشن مزيدا من الغارات على القطاع حيث أسفر القصف اليوم الخميس عن مقتل 31 فلسطينيا. وفي مؤشر على تصعيد الهجوم، طلب الجيش الإسرائيلي من الفلسطينيين المقيمين على حدود غزة مع إسرائيل إخلاء منازلهم، كما أكد رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو أن التهدئة مع حركة حماس في القطاع "ليس مطروحا على جدول أعمال" حكومته. وقد ارتفع عدد الغارات الإسرائيلية إلى 750 منذ بدء ما أطلقت عليها إسرائيل عملية "الجرف الصامد" موقعة مزيدا من القتلى في صفوف المدنيين الفلسطينيين، في حين بلغ عدد الصواريخ التي أطلقت من غزة 365 صاروخا، حسب الجيش الإسرائيلي. وأصابت هذه الصواريخ، التي تم اعتراض معظمها من قبل نظام القبة الحديدية الدفاعي، جنوب إسرائيل بالشلل، ودفعت مئات الآلاف إلى الملاجئ في تل أبيب العاصمة التجارية لإسرائيل، وفي المدن القريبة من مدينة حيفا الساحلية وفي القدس. وتقول تل أبيب إنها تسعى من خلال الهجوم على غزة إلى في وقف إطلاق الصواريخ، إلا أن العملية الجوية لم تنجح في وقف دفعات الصواريخ التي يطلقها مقاتلو حماس وحليفتها حركة الجهاد الإسلامي المزودتين بصواريخ بعيدة المدى. أما الفلسطينيون فيرون أن العملية تهدف إلى الالتفاف على اتفاق المصالحة بين حماس وفتح، وقال الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الأربعاء، إن "هذه حرب ليست ضد حماس أو ضد فصيل وإنما هي حرب ضد الشعب الفلسطيني". ومن ناحيته، روي الفتى أحمد طلال (13 عاما) كلمة (لا) على مسامع والدته، أكثر من عشر مرات في الدقيقة الواحدة، ولا تنجح كل المحاولات في إقناعه للذهاب إلى "المحل التجاري" الذي لا يبعد عن "المنزل" سوى أمتار معدودة، لشراء "الخبز". وأمام خوف وقلق طلال، من القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، والذي انتقل إلى أخوته "الأربعة" الآخرين، كانت العائلة على موعدٍ مع تناول طعام الإفطار بدون أي كسرة خبز بعد نفاده من المنزل. وإن كان الذعر والرعب من آثار القصف، قد منع طلال من مغادرة بيته، خشية التعرض للإصابة أو الموت بفعل الغارات العنيفة، فإن إغلاق المحال التجارية كان سببا في أن يفشل "عدي عبد الرحمن" (16 عاماً) في الرجوع إلى المنزل بالخبز واللبن، وغير من الطلبات التي خطتها والدته على ورقة صغيرة. ويقول عبد الرحمن لوكالة الأناضول:" معجزة أن تجد محلا يفتح أبوابه، في هذه الأجواء، لقد غامرت بالخروج، ولكن النتيجة صادمة، المخابز مغلقة، والمحال وكأنها في (حظر تجوال)". وأحال قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية المتواصل لليوم الثالث، على مختلف أنحاء قطاع غزة، شوارعها إلى مناطق "محظورة التجوال فيها". وعلى غير عادة شوارع قطاع غزة، التي تبدو في شهر رمضان نابضة ب"الحياة"، وحركة الأهالي المشغولين بالتزود بحاجيات الصوم، والمستلزمات الرمضانية، حل السكون التام طرقات وشوارع القطاع، التي خلت بشكل شبه تام، من المركبات. وأغلقت المحال التجارية أبوابها، وهو ما يجعل التزود بالطعام في الوقت الحالي أشبه ب"المهمة المستحيلة" كما يقول رجب خليفة (45 عاما) لوكالة الأناضول, ويضيف خليفة الأب لسبعة أبناء، إن شهر رمضان يتطلب الكثير من الحاجيات اليومية، والتي بات من الصعب الحصول على أغلبها في أجواء القصف المخيفة. ويتابع:" ما كان موجودا في السابق من طعام، ومستلزمات للسحور والفطور، نفدت، واليوم بعد أن كانت الأسواق تعج بما لذ وطاب من الأشكال والأصناف الرمضانية، تحولت إلى منطقة "أشباح". ويشن سلاح الجو الإسرائيلي، منذ مساء الاثنين الماضي، غارات مكثفة على أنحاء متفرقة في قطاع غزة، في عملية عسكرية أطلقت عليها إسرائيل اسم "الجرف الصامد"، تسببت بمقتل وإصابة العشرات. وبالرغم من فتح السلطات الإسرائيلية لمعبر كرم أبو سالم، المنفذ التجاري الوحيد لقطاع غزة لإدخال البضائع، إلا أن الحركة التجارية تتعطل أمام الغارات الحربية. واعتمدت إسرائيل "كرم أبو سالم" والواقع أقصى جنوب قطاع غزة معبرا تجاريا وحيدا بعد أن أغلقت المعابر التجارية في منتصف يونيو/حزيران عام 2007 عقب سيطرة حركة حماس على غزة. وفي السياقر نفسه، محمد عبد الكريم، وهو أحد التجار الغزيين، إن المستلزمات الغذائية والبضائع متوفرة في قطاع غزة، إلا أنّ المشكلة تكمن في الغارات الإسرائيلية المتواصلة. وتابع:" تجار نقل البضائع يجدون صعوبة، لتزويد المحال بالبضائع، المركبات متوقفة، التجار متخوفون من اشتداد القصف". ويرى عبد الكريم أنه حتى لو فتحت كل الأبواب أمام البضائع للدخول إلى قطاع غزة، فشدة الغارات وكثافتها تجعل الحصول على الغذاء مغمسا بالموت. ويستدرك:" حتى لو عادت الأنفاق من جديد للعمل، وفتحت إسرائيل معبر كرم أبو سالم بشكل كلي، القصف العنيف منع عن غزة الغذاء". ومع اشتداد الحصار الذي شددته إسرائيل على قطاع غزة في منتصف حزيران_يونيو 2007 برزت على السطح ظاهرة الأنفاق على طول الشريط الحدودي الفاصل بين الأراضي المصرية والفلسطينية. و شكلّت الأنفاق المتنفس لسكان قطاع غزة المحاصرين، ومن خلالها دخلت الكثير من البضائع والمواد الغذائية والوقود، غير أن هذا المشهد تلاشى، منذ إطاحة قادة الجيش، بمشاركة قوى شعبية وسياسية ودينية، بالرئيس المصري السابق محمد مرسي، في الثالث من يوليو/تموز الماضي. وإن كان الغذاء قد نفد من منازل الكثيرين من الغزيين، وكبلّهم الخوف من التزود بالقليل منه فإن مشكلة "مياه الشرب" تواجه مئات العائلات إذ تمتنع شركات تعبئة المياه من الوصول إلى المنازل خوفا من القصف. وتقول "سهام رجب" ربة المنزل والأم لتسعة أطفال، إن الماء نفد، ومنذ الاثنين الماضي وهي تحاول الاتصال من مزود للمياه غير أن مهمتها فشلت. وتتابع لوكالة الأناضول:" الكل خائف من الاقتراب من المنزل فالقصف بدأ يطول كل مكان، وهو ما يُسبب الذعر للجميع، ويجعلنا بلا أكل ولا شراب". ويشترى الغزيون مياه الشرب، من شركات خاصة، حيث أنهم لا يستخدمون مياه الصنابير، شديدة الملوحة، والملوثة. وتقول تقارير بحثية متخصصة أن 95% من المياه الجوفية لقطاع غزة غير صالحة للشرب، لانخفاض جودتها بسبب زيادة نسبة الكلورايد والنترات فيها. وتشير تقديرات الأممالمتحدة إلى أن 80% من سكان غزة يقومون حاليا بشراء مياه الشرب بثلث الدخل المالي للأسرة. ومتخوفا من اشتداد القصف، وتداعياته يتمنى عبد القادر فرج (52 عاما) عودة الهدوء، إلى قطاع غزة، وأن تتوقف الغارات الإسرائيلية. ويتابع:" بتنا نخشى الخروج من المنزل، خوفا من أي قصف مباغت، لا نستطيع أن شراء أي طعام، وغزة تحولت إلى مدينة (الموت)". وقد أسفر القصف عن استشهاد صحفي وأصيب 4 آخرون في قصف سيارة غرب مدينة غزة, فيما قصف منزل عائلة الطبش بخانيونس جنوب القطاع، ومنزل القيادي في كتائب القسام محمد اليازوري. واستشهدت طفلتان ومسنة مساء اليوم واصيب 10 اخرون في غارات على رفح جنوبا وبيت لاهيا شمال، ليرتفع عدد شهداء العدوان على مدار يومين الى 53 شهيدا ومئات الجرحى. فقد استشهدت المسنة سامية العرجا 65 عاما وطفلة في رفح واصيب 10 مواطنين، واستشهدت طفلة ثانية في جباليا. واستهدف الاحتلال منزل قيادي في كتائب القسام في جباليا شمال القطاع دون اصابات، و3 غارات على منطقة تل الهوا. واستشهد اثنان واصيب اخر في قصف منزل لعائلة حمد في بيت حانون شمال قطاع غزة الليلة. واستشهد كلا من: هاني صالح حمد 57عاما وابنه ابراهيم حمد 20 عاما وإصابة ثالثة خطيرة وكان ستة شهداء من نفس عائلة حمد سقطوا امس بينهم سيدتان وطفلان وقيادي في سرايا القدس خلال قصف منزلهم امس. وبهذا يرتفع عدد شهداء العملية العسكرية على مدار يومين الى 53 شهيد و460 جريح. وأصيب خمسة مواطنين بينهم امرأة وطفل في استهداف منزل يتبع لعائلة فارس في مخيم النصيرات. كما واستهدف الطيران الحربي موقع الرنتيسي بمنطقة التوام شمال غزة، وقصف عنيف في محيط الدفاع المدني بتل الهوى. صعّدت قوات الاحتلال من عمليات القصف بالطيران الحربي والبوارج البحرية على قطاع غزة، مع دخول العدوان يومه الثالث، ليرتفع عدد الشهداء ظهر اليوم، إلى 81، إضافة إلى 524 جريحاً، بينهم العشرات في حال الخطر الشديد". وتم أيضا تدمير 312 منزلاً، 53 منها دمرت بشكل كامل، و259 آخر بشكل جزئي وزادت قوات الاحتلال، في الساعة الأخيرة من اليوم الثاني وبداية اليوم الثالث للعدوان، من عمليات قصف بيوت المدنيين، وقيادات كبيرة في كتائب "القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، و"سرايا القدس" الذراع العسكرية لحركة "الجهاد الإسلامي". وردّاً على العدوان الإسرائيلي، أعلنت "كتائب القسام" قصف مدينة حيفا المحتلة بصاروخ واحد للمرة الثالثة من طراز "آر160"، فيما قصفت للمرّة الأولى روحوفوت وبيت يام بعشرة صواريخ من طراز "سجيل 55". وقبل ذلك أعلنت عن قصفها مواقع ومستوطنات الاحتلال ب 132 صاروخاً، منها صاروخ "آر 160"، استهدفت فيه مدينة حيفا المحتلة، وثلاثة صواريخ من طراز "m75"، الذي تصنعه محلياً، استهدفت بها مدينة ديمونا. وبهذا الردّ تكون "القسام" قد أطلقت، منذ بداية الحملة العسكرية على القطاع، 297 صاروخاً. بدورها، أعلنت "سرايا القدس"، في بيانات مختلفة، عن قيام مقاتليها بقصف الأراضي المحتلة بأكثر من خمسين صاروخاً، ولم تصدر "السرايا"، التي قصفت تل أبيب بثلاثة صواريخ، إحصائية كاملة لعملياتها العسكرية. واعتبر المتحدث باسم "حماس"، سامي أبو زهري، أن استهداف النساء والأطفال، من قبل الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه المتواصل "دليل عجز وفشل في مواجهة المقاومة"، مؤكداً على أن "الاحتلال سيندم على اللحظة التي فكر فيها بارتكاب هذه الجرائم". وبينّ أبو زهري، في بيان له، أن قصف القسام لديمونا "رسالة صغيرة تكشف مدى هشاشة وضعف الاحتلال"، مشيراً إلى أن ردود المقاومة لا زالت في بدايتها، وأن المقاومة لديها ما يؤلم الاحتلال. السلطات المصرية قد تفتح معبر رفح، اليوم الخميس، لمغادرة جرحى العدوان الإسرائيلي وإدخال المساعدات الطبية فقط. في سياق آخر، أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية في غزة، إياد البزم، أن السلطات المصرية أبلغتهم بفتح معبر رفح، اليوم الخميس، لمغادرة جرحى العدوان الإسرائيلي وإدخال المساعدات الطبية فقط. ووفق البزم، فإن معبر رفح مغلق منذ حوالى عام، ولا يتم فتحه من قبل السلطات المصرية إلا في حالات استثنائية لمغادرة المعتمرين كل فترة. في سياق آخر، فتحت السلطات المصرية، قبل ظهر اليوم معبر رفح البري لمغادرة جرحى العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، وفق ما ذكر مسئول هيئة المعابر في غزة، ماهر أبو صبحة. وقال أبو صبحة إنّ السفر مخصص للجرحى وحملة الجوازات المصرية والأجنبية فقط، مشيراً إلى أنّهم لا يعلمون حتى الآن إن كان سيبقى المعبر مفتوحاً لأيام أخرى.