على الرغم من ارتفاع أصول القطاع المصرفي في لبنان الى 165 مليار دولار أي ما يعادل نحو أربعة أضعاف حجم الاقتصاد الوطني، وارتفاع الودائع الى 136 مليار دولار بنهاية العام 2013، وارتفاع الارباح بنسبة 5.7 % الى 1375 مليون دولار، مقارنة مع أرباحها في العام 2012، فان القطاع يشهد حالياً بعض المؤشرات السلبية نتيجة تأثره بالتطورات الاقليمية وخصوصاً في سوريا والعراق، والتوترات السياسية والأمنية في لبنان فضلا عن تعذر انتخاب رئيس للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان. وإذا كان تدفق تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج، لا تزال "الايجابية البارزة"، فان صافي تدفق رؤوس الاموال الخاصة الوافدة الى لبنان تراجعت بنسبة 30 % (وفق تقرير معهد التمويل الدولي) من 6.9 مليارات دولار في العام 2012 الى 4.9 مليارات في العام 2013، مع العلم انها كانت في ذروتها في العام 2009 بنحو 12 مليار دولار ثم انخفضت الى 7.5 مليارات في العام 2011 ثم الى 4.9 مليارات في العام 2010. وقد سجل لبنان بذلك نسبة الانخفاض الحادي عشر الاكبر حيال صافي تدفقات رؤوس الاموال بين 30 سوقاً ناشئة، والانخفاض الثاني الاكبر من حيث صافي تدفق رؤوس الاموال بين سبع دول في الشرق الاوسط وافريقيا، وهو تقدم على جنوب افريقيا فقط. وعزا معهد التمويل الدولي الأسباب الى تراجع بنسبة 22.4 % في تدفق الاستثمار الاجنبي المباشر (من 3.7 مليارات في عام 2012 الى 2.9 مليار دولار في عام 2013) اضافة الى تراجع بنسبة 18 % في ودائع المصارف غير المقيمة، وذلك من 10 مليارات الى 8.2 مليارات دولار. وأشار المعهد الى ضرورة اجراء انتخاب رئيس جديد للجمهورية كشرط اساسي لتوقعه بارتفاع تدفق رؤوس الاموال الى5.2 مليارات دولار في العام 2014، على ان يشهد لبنان تحسناً في البيئة السياسية والاوضاع الامنية، ولكن هذا الشرط لم يتحقق بعد، وقد اصبحنا في منتصف العام. دعم قروض الاستثمار على الرغم من أن القطاع المصرفي استفاد من تلك الرساميل مسجلاً نمواً مميزاً، مكنه من تعزيز قدرته على ان يكون القاطرة الاساسية لمسيرة الاقتصاد اللبناني، فقد لوحظ ان نمو الودائع المصرفية تراجع نحو 35 % في الثلث الاول من العام 2014 مقارنة بنهاية العام 2013، وبلغ نحو 1.9 مليار دولار مقابل اكثر من 3 مليارات للفترة ذاتها من العام الماضي. واستناداً الى ذلك توقع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ان يكون نمو الودائع في العام الحالي بحدود 5 الى 6 % ، وبما أن تكلفة الفوائد على الودائع تصل كمتوسط عام الى هذه النسبة (حالياً الفائدة بين 5 و 7 %ً)، ما يعني ان الودائع لن تسجل أي زيادة في العام 2014. كذلك التسليفات التي زادت اقل من واحد في المئة مقارنة مع العام 2013، فهي ارتفعت بحجم القروض المدعومة بالفوائد والتسهيلات التي قدمها مصرف لبنان للتعويض عن تراجع الاستثمارات المحلية والاجنبية. وكان البنك المركزي اللبناني قد دخل منذ العام الماضي مشاركاً المصارف التجارية في تمويل المؤسسات وتشجيع المستثمرين، بسبب عدم قدرة القطاعات على الاقتراض بفعل الوضعين الامني والسياسي في لبنان من جهة والتطورات الامنية الاقليمية من جهة ثانية، وتأثير تداعياتها على النشاط التجاري بشكل خاص والاقتصادي بشكل عام. وبموجب هذه المشاركة ضخ المركزي اللبناني 2200 مليار ليرة (1.46 مليار دولار) في حركة الاستثمار، ومع استمرار اسباب الركود اكد البنك المركزي مواصلة سياسته بتعزيز التسليف، والتي اعطت ثمارها في العام الماضي بتأمين نصف معدل النمو الاقتصادي البالغ 2 %، لذلك ضخت مبالغ جديدة بنحو 1200 مليار ليرة (800 مليون دولار) ويدرس البنك حالياً اطلاق حزمة تحفيز جديدة بقيمة حزمة العام 2013 والبالغة نحو 1.46 مليار دولار. ويستدل من الاحصاءات الرسمية ان قيمة القروض المدعومة الفوائد بالليرة قد بلغت حتى نهاية الفصل الاول من العام الحالي نحو 8500 مليار ليرة (5.6 مليارات دولار)، واستفاد منها 15831 مستثمراً في مختلف القطاعات والمناطق اللبنانية، وشكلت القروض المقدمة عن طريق مؤسسة كفالات نحو 1807 مليارات ليرة (1.2 مليار دولار) اي ما يعادل 21.4 %، أما القسم الاكبر فقد جاء من التسليفات المتوسطة والطويلة الاجل والتي شكلت نحو 6610 مليارات (4.38 مليارات دولار) أو ما يعادل 78.6 % من إجمالي قيمة القروض. صفقات بيع وشراء وفي خضم هذه التطورات يشهد القطاع المصرفي صفقات بيع وشراء وتصفية ودمج واندماج بين عدد من المصارف، وعلى الرغم من ان دوائر مصرف لبنان تعتبرها دليل صحة وعافية للقطاع المصرفي، فان مصادر مصرفية وصفتها بانها تأتي كانعكاس للتطورات الاقليمية على مسيرة العمل المصرفي بخاصة والاقتصاد الوطني بعامة. وفي هذا المجال سجلت في الفترة الاخيرة عمليات عدة، منها: تمت الموافقة من قبل مصرف لبنان لمجموعة فرنسبك على شراء كامل اسهم البنك الاهلي الدولي المملوك من مجموعة البنك الاهلي الاردني (آل المعشر) على ان تتم عملية دمج بين المصرفين والغاء رخصة البنك الاهلي، وقد بلغت قيمة الصفقة نحو 105 ملايين دولار. اشترى "سيدورس بنك" وهو مصرف اعمال صغير كامل اسهم ملكية البنك البريطاني "ستاندرد تشارتر" بنحو 13 مليون دولار وهو يملك ثلاثة فروع، وذلك بعدما قرر البنك البريطاني الانسحاب من السوق اللبناني ضمن استراتيجية وضعها البنك الرئيسي في لندن، بسبب تراجع ارباحه وصولاً الى تكبده الخسائر نتيجة ارتفاع التكلفة التشغيلية التي يتحملها في لبنان. لا تزال تجري بهدوء دراسة بيع حصة "هيرمس" المصرية في بنك الاعتماد اللبناني والبالغة نسبة 75 % ، لان البائع غير مستعجل ولا يريد ان يحرق السعر، خصوصاً وانه خبير في الصفقات المصرفية على مستوى منطقة الشرق الاوسط. وتبرز اهمية هذه الصفقة، من اهمية ملاءة ونجاح بنك الاعتماد اللبناني الذي يحتل المرتبة التاسعة بين المصارف العشرة الكبرى العاملة في لبنان، وقد بلغت أصوله نحو تسعة مليارات دولار. ولكن نظراً لتراجع قيمة أسهم البنوك في لبنان، فان افضل سعر قدم الى مجموعة هيرمس بلغ نحو 420 مليون دولار، وهو ادنى بكثير من سعر الشراء، الامر الذي يكبدها خسائر لا ترضى بها، لذلك تتريث في عملية البيع بانتظار العرض المناسب، خصوصاً وانها سبق ان سجلت ربحاً ملحوظاً في صفقة بيع حصتها مع بنك عودة اللبناني. وكان القطاع المصرفي قد شهد عدة صفقات شملت تصفية بيت التمويل العربي، وهو مملوك بكامله، لبنك قطر الاسلامي، وقد قررت المحكمة الناظرة في الدعوى المقامة من قبل اصحاب الحقوق في بيروت ببطلان العقود الموقعة مع المصرف باعتبارها غير قانونية، وكذلك الزام المصرف باعادة كل الاموال موضوع عقود الائتمان، تضاف اليها الفوائد القانونية من تاريخ تسلم بيت التمويل العربي لها ولغاية الدفع الفعلي للمدعي، اي للمستثمرين اصحاب الحقوق. وكذلك انسحب المصرفي ماريو سرادار من بنك "عودة – سرادار" وباع حصته البالغة 10 %، ثم اشترى مع مجموعة من المستثمرين ومنهم كارلوس غصن نحو 70 % من بنك الشرق الادنى التجاري المملوك من مجموعة من المساهمين السويسريين والتي احتفظت بنسبة 30 %، وقد بلغت قيمة الصفقة نحو 55 مليون دولار. واشترى فهد رفيق الحريري نسبة 5 % من حصة الرئيس نجيب ميقاتي في اسهم بنك عودة بمبلغ 130 مليون دولار. وتأتي هذه التطورات في اطار سياسة مصرف لبنان التي تهدف الى خفض عدد المصارف وتقويتها في مواجهة تحديات العولمة، خصوصاً مع الالتزام بشروط "بازل3" وقد يرى المصرف الصغير ضرورة الاندماج مع مصرف آخر لمواجهة متطلبات الرقابة والمعايير الدولية، وبنوع خاص الملاءة التي تفرض حجماً من رأسمال قد يصعب على المصرف الصغير تأمينه بمفرده لأسباب عدة، منها صعوبة إصدار أسهم لزيادة رأسماله كون العائد لديه منخفضاً نسبياً وموقعه في السوق غير قوي والاعتماد على الأرباح ليس بالأمر الأكيد، غير أن العمليات التي تمّت حول العالم لم تستهدف كلها زيادة الربحية ووفورات الحجم، وانخفاضاً في الأكلاف، وفي عدد الفروع وعدد العاملين. فالأداء المصرفي يبقى محكوماً في المقام الأخير بأداء الاقتصاد وبنوعية محافظ الإقراض وبمخاطر البلد الحقيقية والتي تنعكس مجتمعة على ربحية الرساميل والموجودات لا سيما من خلال تكوين المؤونات والاحتياطات. ويرى الحاكم رياض سلامة خريطة المستقبل للقطاع المصرفي اللبناني، بأنها ستشهد مزيداً من التجمع لتكوين تكتلات تفرضها السوق، وقال إنه سيكون من الصعب على أي مصرف أن يحافظ على حصته من هذه السوق، إذا لم يكن أساساً في هذه التكتلات، لذلك فإن قانون الدمج يعتبر أساسي لمصلحة البلد، وينفذ في مرحلة أساسية لقيام تجمعات مصرفية في ظل العولمة.