"بواكي"، ثاني أكبر مدن كوت ديفوار (379 كيلومتر على أبيدجان، تقع في منطقة جبيكي، شمالي وسط البلاد)، تعد 900 مسجداً فيما تتكفل الإذاعات الإسلامية التي تبث من البلدة بترسيخ مكانة المدينة التقليدية كعاصمة كوت ديفوار للإسلام التعددي. يشرف "الحاج توري باجاواري" إمام المسجد الأكبر ب "بواكي" على إمامة الصلاة بنفسه فيما يشهد المسجد القريب من سوق البلدة تدفق مئات المصلين من مختلف الجنسيات يومياً، في ترسيخ لمكانة "بواكي" كحاضنة سمحة لإسلام متعدد بقدر تعدد الجنسيات التي تعيش بالبلدة. "توري باجاواري" يؤكد بفخر على أن "جميع الجنسيات وجميع رعايا فضاء المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) ممثلة لدى جماعات المسلمين في بواكي". ويشكل المسلمون في بواكي طيفاً بألوان متعددة والسواد الأعظم من في البلدة ويتكونون أساساً من إيفواريي شمال البلاد بالإضافة إلى مسلمي دول الجوار القاطنة بالبلدة: بوركينافاسو والنيجر وغينيا، وفي الآن ذاته يأخذ الإسلام في الانتشار في صفوف بعض الجماعات العرقية الأخرى كال "ماندي" و "أكان" نحو الجنوب. وتدين مجموعات ال "ماندي" القاطنة في الشمال بالإسلام منذ وقت طويل (نفس المجموعة العرقية موجودة في الجنوب) في تعايش سلمي مع المسيحيين وبعض معتنقي الديانات المحلية. "ماري ميران" باحثة في المجال الديني أوردت في كتابها "الإسلام، التاريخ والحداثة في كوت ديفوار" أن " الإسلام دخل لأول مرة إلى كوت ديفوار في القرن 11 (ميلادي) منطلقا من العربية السعودية (الإسم الحالي للمكان) مارا بمسالك الشرق الأوسط ومصر ثم منطقة الشمال إلإفريقي وشق بعد ذلك الصحراء الكبرى بفضل قوافل التجارة إلى حدود تومبوكتو ومالي ليصل كوت ديفوار من جهة بلدات كونغ بونا و بوندوكو". واضافت "ميران" في مؤَلّفها: " بواكي مدينة جديدة في طور التوسع، هي تقع في وسط البلاد وعلى مفترق طرق جميع التأثيرات، تاخذ على عاتقها مهمة نشر الإسلام وتجديده". "توري باجواري" تاسع اكبر إمام لهذه الديار منذ دخول الإسلام إليها، لا يدخر من جهته جهداً في الدفع نحو "التفاهم بين المسلمين( أنفسهم)، ثم بين المسلمين ومعتنقي الديانات الأخرى" متسلحاً في ذلك برؤية دينية سلمية وتعلي التسامح كقيمة كبرى. ويدعم "توري باجواري" في مساعيه،"الحاج كوني سايدو" نائب رئيس البعثة الجهوية للمجلس الأعلى للأئمة (كوسيم) الذي يترأسه "الشيخ بواكاري فوفانا"، وبفضل جهود الجميع في بث خطاب ديني سمح فإنه لا وجود لتوترات تعكر صفو العلاقات التي تسود بين المسلمين في منطقة جبيكي التابعة لولاية بواكي. ويبدو المسجد الذي شيد عام 1889 في حي "سوكورا" بجوار سوق الجملة بالبلدة، كأنما يطفو على قطعة الأرض الشاسعة التي بني فوقها، بينما يمتد المكان في رحابة مهيبة لاستقبال المصلين الذيت يهبون إليه من كل حدب وصوب. غير أن فخامة المعلم ورحابته تمكنت بالكاد من إخفاء بقايا طلاء ذوت الوانه مع مرور الزمن وبقي تحت رحمة أصحاب النوايا الحسنة للقيام بتجديده وإكمال أشغال مكاتب الإمام و ال (كوسيم) والبيوت التي اجتاحتها الأعشاب. وتحتضن "بواكي" محطتين إذاعيتين دينيتين، أولهما "الفردوس" وهي إذاعة المسلمين في "بواكي" تقع في رحاب المسجد الكبير، و"البيان"، التي تفخر ببعدها الوطني الطاغي على برمجتها، وتقوم كلتاهما يومياً ببث ما يسعد لسماعه مسلمو البلدة وبجميع الألسنة التي تتحدث بها كوت ديفوار. وقدر عدد سكان "بواكي" المنحدرين أساسا من مجموعة عرقية تدعى "باولي" في آخر إحصاء (2010) ب 727 ألف و 674 ساكن، و تعرف "بواكي"كونها بلدة صناعية شكلت لمدة 18 سنة المعقل السياسي والعسكري للتمرد السابق "القوات الجديدة". ومع نهاية الأزمة في كوت ديفوار، عادت مهمة إحلال السلام في البلاد إلى مدينة "بواكي". ولعل أبرز تجليات ذلك، كان تنظيم بادرة "شعلة السلام" في الملعب البلدي ل "بواكي" الذي وقع تغيير إسمه لاحقاً إلى "ملعب السلام". ومع فجر الاستقلال في كوت ديفوار، تعزز موقع "بواكي" كمركز فكري إسلامي متميز. ديمغرافياً، مع حلول سنة 1960، كانت كوت ديفوار تضم ما بين 14 و 20 بالمئة من المسلمين فيما قدرت الارقام الرسمية نسبة المسلمين سنة 1993 ب 43 بالمئة من مجموع السكان. في الوقت الراهن، يعد المسلمين في كوت ديفوار بالملايين، فمن بين 21 مليون نسمة هم عدد سكان البلاد سنة 2010 يدين 38.6 بالمائة من بين هؤلاء بالإسلام.