السفر أحد الأسباب التي تجعلنا نشعر بالقلق تجاه أعمارنا وحياتنا، فما بين اختيار القدر لنا على طريقه، وبين أن نواجه الصعوبات والشرور، يقف المسلم بين يدي مولاه مناجيا، أن يحفظه من كل شر وسوء، ويحميه في بلاد غريبة عنه، ويعيده سالما لأهله، ولا يشعر المؤمن الحق بوحشة السفر مادام في معية الله وأمنه. ورغم أن السفر في معظم حالاته يكون وسيلة للترفيه عن النفس؛ إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصانا بالحذر عند نية السفر، وأن نتخذ أسلحة النجاة صاحبة لنا طوال الطريق، وهي الأدعية والأذكار الواردة عنه. فقد روى مسلم في صحيحه عن ابْنَ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اسْتَوَىَ عَلَىَ بَعِيرِهِ خَارِجاً إِلَىَ سَفَرٍ، كَبّرَ ثَلاَثاً، ثُمّ قَالَ: سُبْحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنّا إِلَىَ رَبّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللّهُمّ إِنّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرّ وَالتّقْوَىَ، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَىَ، اللّهُمّ هَوّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنّا بُعْدَه، اللّهُمّ أَنْتَ الصّاحِبُ فِي السّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ، اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ، فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ" وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنّ وَزَادَ فِيهِنّ: "آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبّنَا حَامِدُونَ". شرح الحديث: يسأل المسافر ربه المغفرة والرحمة ويحمده ثلاثا ويكبر ثلاثا، ويقل ما ذكره الله تعالى في القرآن: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين} أي ما كنا له متحملين ومطيقين لولا أن الله سخره لنا. ويردف المسافر بالدعاء بأن يكون الله له الصاحب، وأنه يريد بذلك مصاحبة الله تعالى إياه بالعناية والحفظ خلال رحلته. وقوله "والخليفة" أي الذي ينوب عن المستخلف فيما يستخلفه فيه؛ أي "أنت الذي أرجوه، وأعتمد عليه في غيبتي عن أهلي، وأن تحفظ عليهم دينهم وأمانتهم، وتحفظني من "وعثاء السفر" ومشقته، و"كآبة المنظر" والانكسار من الحزن، وكل منظر يعقبه كآبة، و"سوء المنقلب" بحسن الخاتمة والموت على الفطرة إن كان السفر آخر رحلة في عمره. وعندما يعود من السفر يقل مثلما قال قبله ويزيد عليه الإقرار بحفظ الله له بأن يقول "آيبون" أي راجعون بالخير، وتائبون من الذنب، وعابدون مخلصون لربنا، وله حامدون على حفظه لنا وما أنعم به علينا.