الانتخابات الرئاسية الأميركية والعوامل المؤثرة فيها سمير التنير لا بد لنا حين الدخول في حيز الانتخابات الرئاسية الاميركية وشرح المشهد السياسي المرتبط بها من الإشارة الى ان القاعدة الانتخابية للحزب الديموقراطي هي أكبر وأكثر نشاطا من التعبئة الجمهورية. ويلاحظ ذلك في نسبة تسجيل الناخبين الديموقراطيين فهي تقريبا ثلاثة اضعاف معدلات تسجيل الناخبين الجمهوريين. اما الأمر الثاني فهو الزخم الذي استطاع اوباما ادخاله الى حملته، اذ استطاع ادخال عنصر هام من عناصر المجتمع الاميركي الى جانبه، هو عنصر الشباب. وقد استطاعت فئة الشباب لديه جمع أموال طائلة وضعت في صالح حملته. كما استطاع اوباما بشخصيته الجذابة والمحببة ان يجعل من قطاع الشباب قطاعا رئيسيا وحاسما في الانتخابات الرئاسية الاميركية. اما العامل الثالث فهو الحالة الاقتصادية السيئة جدا (والتي تحولت أخيرا الى كارثة مالية عالمية). فالمواطن الاميركي يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة اذ شمل الغلاء كل سلع المعيشة اليومية من غاز وبنزين، والايجارات. كما ارتفعت ايضا معدلات البطالة مما يدل على ان الاقتصاد الاميركي يعاني من أزمة عميقة جدا قد تطول الى سنوات كثيرة قادمة. وترتبط هذه الأزمة الاقتصادية بفشل مدو في السياسة الخارجية، والتكاليف الهائلة التي سببتها حروب بوش على العالم العربي والاسلامي. كما ان اغلبية الشعب الاميركي ترى ان أخطاء السياسة الخارجية كانت سببا رئيسيا من أسباب انهيار الاقتصاد الاميركي. اما العامل الأخير فهو ان غالبية الشعب الاميركي تواقة على حدوث التغيير. الذي هو شعار حملة اوباما الأثير. وقد استطاع اوباما بفضل شخصيته الباهرة وذكائه الشديد ادخال هذا الشعار الى كل بيت أميركي. وبالانتقال الى بحث القطاعات المؤثرة في الانتخابات الرئاسية الاميركية لا بد من الاشارة الى قطاع الطبقة العمالية البيضاء. التي صوتت خلال الانتخابات التمهيدية لهيلاري كلينتون وليس لأوباما. ويعود ذلك في قسم منه الى خوف هذه الطبقة من مرشح ذي اصول افريقية. ولكن ذلك يندرج في خانة التمييز العنصري الذي اصبح المجتمع الاميركي متحررا منه في اغلبيته الساحقة. وقد حاول أوباما صياغة افكار تؤدي الى مزيد من القوانين الحمائية لهذه الطبقة ومستمدة من العولمة (التي انهارت على رؤوس اصحابها أخيرا). اما القطاع الثاني فهو قطاع متعدد الأقطاب هو قطاع الاقليات. وأهم تلك الاقليات هي الاقلية اليهودية (التي تصوت عادة الى جانب المرشحين الديموقراطيين). ومن غير المعروف حتى اليوم اذا كان اوباما قد اكتسب اصوات الأغلبية من الاقلية اليهودية في المجتمع الاميركي. اما الأقلية الثانية فهي الأقلية ذات الجذور الاميركية اللاتينية (هيسبانك) والتي تتكلم اللغة الاسبانية. وحتى الآن لم تعرف اتجاهات الاغلبية فيها. اما الأقلية السوداء فمحسوم امرها في التصويت للمرشح الذي هو أول مرشح أميركي افريقي يصل الى الترشح لأكبر منصب في الولاياتالمتحدة الأميركية على الاطلاق. والقطاع الأخير هو قطاع المرأة الذي استطاعت هيلاري كلينتون اجتذاب الاغلبية فيه في حملة الترشيح التمهيدية. وقد حثت هيلاري كلينتون كافة انصارها على التصويت لمرشح الحزب الديموقراطي الذي تنتمي هي اليه. ولكن مدى الاستجابة يظل غير معروف. وبالعودة الى حملة ماكين الرئاسية نرى انها تركز على ان اوباما محدود الخبرة في شؤون الأمن القومي ولا يملك الخبرة الكافية او المعرفة او الدراية بتلك القضايا الحساسة بالنسبة للاميركيين. اما الصورة التي تكونت لدى الرأي العام العربي عنه، فهي إيجابية بالاجمال، اذ لم يهدد على الأقل باحتلال بلد عربي آخر غير العراق. ولم يقل انه سيبقى هناك مئة سنة أخرى، وكأن الوطن العربي ارض سائبة لماكين ولأمثاله من المتعطشين للحروب وللدماء. لقد تحدث اوباما عن مفاوضات مع ايران. ووضع خطة للانسحاب من العراق. اما ماكين فيقولون عنه انه يتمتع بخبرة طويلة في قضايا الأمن القومي الاميركي، بحكم تجربته العسكرية، وخبرته الطويلة في مجلس الشيوخ. وبالتالي فهو مستعد لشن حروب أخرى، حفاظا على الأمن القومي الاميركي. ان الانتخابات القادمة هي انتخابات رئاسية، وانتخابات تحديد نصفي للكونغرس. وهنا لا بد من الاشارة الى ان مناصري الحزب الجمهوري تمكنوا من جمع اموال تفوق بضعفين الاموال التي جمعها انصار الحزب الديموقراطي. وهذا يعني ان هناك قاعدة جمهورية تعمل في مجال الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية. وتبدو أفضل مما كانت عليه في انتخابات عام ،2006 عندما خسر الجمهوريون الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب. سيكون لنتائج الانتخابات الرئاسية آثار كبيرة جدا على السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط. ويقول بعض الخبراء ان السياسة الاميركية على اختلاف الادارات لم تتغير كثيرا. اذ ان للولايات المتحدة مصالح استراتيجية ثابتة منها امن اسرائيل والنفط. لذلك فالصورة المذكورة هي صورة بنيوية ثابتة. ففي حال فوز اوباما لا يتوقع الخبراء الا تغيرات محدودة. اما في حال فوز ماكين فلن تتغير السياسة الاميركية عما هي عليه الآن. يمكن ان يطرأ تغيير في السياسة الاميركية تجاه الوطن العربي عندما تواجه ازمة حقيقية في الشرق الاوسط. وهذه الأزمة تسببها الكلفة الباهظة جدا لتلك السياسة. اذ ان دافع الضرائب الاميركي يدفع الآن ضرائب اكبر من أي وقت مضى بسبب الوجود العسكري في العراق. وستكون المهمة الاولى لاي ادارة هي تقليص الكلفة الحالية عن أي طريق. الى جانب ذلك تعاني اميركا من تراجع واضح، ظهر جليا في العراق وفلسطين ولبنان. ان الاخفاق يلاحق اميركا، وإن كان ذلك لا يعني انهيارها. ولذلك فهي بحاجة الى حلول للمشاكل ولو جزئية. كما ان سمعة الولاياتالمتحدة في الوطن العربي سيئة جدا وتتجاوز ال70 بالمئة في كافة الاقطار العربية. يقف الوطن العربي امام سياسة اميركية فاشلة. فالتعثر الحالي ومحاولة الدفاع عن المصالح الاستراتيجية سينتج عنه مساحة للتغيير بكل تأكيد. وهي تغييرات تكتيكية بسيطة كما يقول بعض الخبراء. ويضربون على ذلك مثالا هو استمرار الوجود العسكري الاميركي في العراق بعد توقيع الاتفاقية الأمنية التي تنتقص من سيادة العراق بشكل أكيد. او ان تلك الاتفاقية تشبه اتفاقات الحماية التي كانت توقعها الدول الاستعمارية مع الاقطار العربية في بداية القرن العشرين. ونحن نقول ان للفشل المدوي تبعاته وتداعياته ونتائجه والتي لا بد لأي قوة ان تتقبلها حتى لو كانت قوة عظمى مثل الولاياتالمتحدة الأميركية. عن صحيفة السفير اللبنانية 22/10/2008