أم الأسرى العرب رشيد حسن ليست أم جبر وشاح. أما للأسرى العرب فحسب... ، بل هي أم رؤوم لكافة الأيتام... والأرامل والثكالى... هي أم لأطفال الحجارة... ولكل من آمن وتبنى المقاومة نهجا ، وام للشرفاء الذين قالوا "لا" للاحتلال...وأم للذين رفضوا أن يساوموا على ذرة تراب واحدة من تراب الوطن. نجزم أن كثيرا ممن شاهدوا هذه السيدة الفلسطينية على شاشة "الجزيرة" بإرادتها الصلبة لم تهزها....ولم تهزمها سنوات عمرها "77" ، وسنوات النكبة والنكسة والاحتلال الصهيوني البغيض ، وسنوات الترمل والثكل ، وبقيت وفية لفلسطين ، و"لبيت عفة" قريتها التي ولدت وترعرعت فيها ، ولا تزال ماثلة في عقلها ووجدانها وجوارحها...حريصة على أن تغرسها في وجدان أبنائها ، أمانة يتوارثها الخلف عن السلف حتى تعود فلسطين لأهلها ، وترحل الغزوة الصهيونية العنصرية ، كما رحلت قبلها غزوات الرومان والصليبيين والتتار...الخ. أم جبر...درس لكافة النساء العربيات ، ومثال للمرأة العربية المناضلة الشريفة التي كسرت قيود الذل والمهانة والجلوس في البيت ، وأبت الا أن تساهم في معارك الوطن ، فلم تقعدها أميتها أو فقرها عن تقديم الواجب ، فأصرت وهي التي لا تعرف القراءة والكتابة ، على زيارة المناضلين العرب في السجون الإسرائيلية ، وتلك قصة لا بد من أن تروى وتسجل وتوثق لتقرأها الأجيال ، لأن فيها من الوفاء ما تعجز هذه الزاوية عن إيفاء حقه... وفيها من النخوة العربية والعرفان ما يذكرنا بخولة والخنساء ، وفيها من صدق العقيدة الإسلامية ، ما جعلها تزور كافة السجون طوال أيام الأسبوع ، وتحتضن المناضلين العرب ، الذين ضحوا من أجل فلسطين....فاحتضنت الليبي والمصري والسوداني واللبناني والأردني...الخ . واصبحت عائلتها الكبرى تضم 44 اسيرا عربيا ، وكانت لها مع كل واحد منهم قصة تستحق أن تروى على لسان هذا المناضل أو ذاك ، لأنها بحق شهادة على وفاء فلسطين كل فلسطين للأمة ، وشهادة على أن "الدم عمره ما بصير ميه" ، وأن أبناء فلسطين لا يتنكرون لتضحيات أمتهم ، وستبقى هذه التضحيات والدماء التي روت زيتون فلسطين ، أمانة في أعناق الشعب الفلسطيني ، وقناديل حرية تضيء الطريق كلما أحلولك الليل ، حتى يرث الله الأرض ومن عليها. عظيمة هذه السيدة ، المرشحة لجائزة نوبل ، ونقول وبكل صدق وموضوعية ، لو كانت هذه الشهادة تمنح لمستحقيها لكانت أم جبر وشاح أول من يستحقها ، لأنها جسدت وبعفوية وجدان المرأة العربية الفلسطينية ، ومشاركتها الحقيقية في النضال لتحرير أرضها ، وكانت بحق تعبر عن أسمى العواطف وأرقاها ، وهي تركز على الجانب الأسمى...الجانب الإنساني...فتزور المناضلين العرب الذين يعانون من وحشة السجون ووحشية العدو الفاشي وفقدان الأهل...فكانت لهذه الزيارات أثر كبير في تحطيم جليد المعتقل ، وخلق حالة عربية واحدة في سجون الاحتلال ، فأصبحت بحق أما للأسرى العرب. لا نريد أن نستفيض في تناول دلالات وأهمية ما كانت تقوم به المناضلة أم جبر ، ولكن يكفي في نهاية المطاف أن نذكر كثيرا من الأدعياء بأن هذه المرأة الأبية ، لم تختلط عليها الرؤية ، ولم تقع في أحابيل وتبريرات المثقفين الانتهازيين ، وبقيت وفية لقناعاتها ، بأن فلسطين هي الوطن التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني ، وأنها لن تقبل أن تتنازل عن قريتها "بيت عفة" حتى لو أعطوها بنك روتشيلد ، وهي من قالت لأبي عمار حينما دخل الوطن ، "يا أبو عمار حينما خرجت من قريتي "بيت عفة" عام 48 لم يغم علي ، ولكن حينما سمعت أنك وقعت في أوسلو على الأرض مقابل السلام أغمي علي". أم جبر ...سلام عليك يا زيتونة فلسطين. عن صحيفة الدستور الاردنية 23/8/2007