(عم صرخ بالشوارع شوارع القدس العتيقة خلي الغنية تطير عواصف وهدير يا صوتي ضلك طاير زوبع ب (هالضماير) خبرهن عللي صاير بلكه بيوعي الضمير)
جاوزت السبعين.. ولدت نهاد حداد في الحادي والعشرين من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1935 لتحمل اسم نهاد حداد ولتنشأ في منزل مؤلف من طابق واحد ومطبخ في ظل والديها وديع حداد العامل في مطبعة جريدة لوجور وأمها ليزا البستاني ابنة بلدة الدبيبة ولتشب فيما بعد مع إخوتها الذين تتابعوا فيما بعد وهم جوزيف وهدى وأمال.
(فيروز) أو نهاد وديع حداد.. الصوت الأشهر في لبنان، بل في كل العالم، من دون استثناء، فلا أحد لم يسمع فيروز، ولا أحد غير سعيد أنها تعيش بيننا اليوم، والآن تستعد لتحتفل بذكرى ميلادها الثاني والسبعين (21 نوفمبر 1935)، الأنشودة الجميلة في زمن الفن الرديء الذي لا تسمع فيه غير هلاوس غنائية تخترق مسامعنا من دون استئذان،لتشوش على كل جماليات الأغنية العربية، وكل الجماليات الفنية في المطلق التي نحب أن تكون بيننا.
هي تحتجب قليلاً كالشمس، لكننا دوماً نحتاج إلى صوتها الدافئ المعبِّر عن حالات الإنسان المتصارعة، المحبة، المحاربة، الناقمة، الممتلئة أملاً في الغد المأمول.
نهاد وديع حداد ابنة عامل المطبعة، وأمها ليزا البستاني، الأسرة الفقيرة التي أنجبت وجهاً جديداً من وجوه الغني المستقبلي الزاخر بعبق فني أصيل، غنَّت، وغنَّت، وغنَّت إلى أن طارت أغنياتها عبر الحدود، ومن حدود إلى أخرى صارت (فيروز) هي الصوت الذي يطير بنا بعيداً، يحلِّق في رومانسيات تجاوزتها ماديات الأزمنة الثقيلة ثقل الحرب، فالحرب في كل مكان، لكنها تغني.. كانت انطلاقتها عام 1952 عندما بدأت الغناء لعاصي الرحباني، وكانت الأغاني التي غنتها لعاصي في ذلك الوقت تملأ جميع القنوات الإذاعية وأصبحت مطربة كبيرة في العالم العربي. وفي عام 1955 تزوجت فيروز من عاصي الرحباني وأنجبت منه زياد وريما.
(لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي لأجلك يا بهية المساكن يا زهرة المدائن يا قدس.. يا قدس.. يا مدينة الصلاة.. أصلي)
هذه الأغنية غنَّتها فيروز، لم يسمعها أحد إلا وبكى، وتذكَّر آثار العدوان الذي تحاول القوى الغاشمة طيَّها في صحائف النسيان، وزمن التواري والانتكاسات العربية من قتل وتذبيح للعرب والمسلمين، وحالة الصمت المطبق التي نحياها الآن خوفاً من الاغتيال أو الإقصاء.
فيروز.. تغني، ولا تزال تغني، تذكِّرنا بالنكبة، وتذكِّرنا بالحب، وتذكِّرنا بالحزن، وبالفرح.
لكن الغناء أصيل في وجدان فيروز، لنراها تقول: من زمان أنا وشادي غنينا سوا..سارق الفرح.. لص آثم يسرق فرحتنا، ويهرب بها بعيداً، وإذا بنا نجد فيروز تقوينا بصوتها، وتعيد إلينا البسمة من جديد..سفيرة العرب.. صاحبة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية في بيروت، وصاحبة ألقاب عدة.. أطلقها عليها محبوها عن جدارة.
فيروز تعني الغناء.. لسماع الكلمات والصوت المعبِّر، من دون النظر إلى جسد المغنية التي لم تهتز أبداً على خشبة المسرح.. تعبيراً منها عن جدية العمل المقدّم، بينما الآن في زمن الهلاوس الفضائية، الأغنيات لا تُسمع، لكنها تُرى، وبعين شبقية، لا يوجد هم غنائي، ولا قضية فنية يعبِّر عنها من يطلقون على أنفسهم الآن فنانين.
سبعون عاماً، مرَّت الآن على وجود نهاد حداد بيننا، نسمعها ونأنس بسماعها، لنطير معها في عوالم أخرى، وفضاءات بعيدة عن قسوة الواقع، فهي رومانسية بصوتها الأخاذ، وهي واقعية حينما يكون صوتها جلاداً لنفوسنا يذكِّرنا ما نود نسيانه، النقيضان اجتمعا في صوت نهاد حداد (فيروز).
في العقد السابع من حياة فيروز تعلن أنها علامة ناصعة على وجه الفن العربي، وأنها أصالة لا تنمحي عبر الزمن.