الحقيقة التي لاريب فيها أنك لا تستطيع أن تنزع من حياتك كل آثار الحزن لأن الحياة خلقت هكذا { لقد خلقنا الإنسان في كبد } قال ابن عباس والحسن: "في كبد" أي في شدة ونصب يقول الله في الحديث القدسي : (من سلبت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسب عوضته من الجنة) من فقد ابنه وصبر بنى له بيت الحمد في الخلد وقس على هذا المنوال فإن هذا مجرد مثال فلا تأسف على مصيبة فان الذي قدرها عنده جنة وثواب وعوض وأجر عظيم .
إن أولياء الله المصابين المبتلين ينوه بهم في الفردوس { سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } وحق علينا أن ننظر في عوض المصيبة وفي ثوابها وفي خلفها الخير { اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون } هنيئا للمصابين ، بشرى للمنكوبين إن عمر الدنيا قصير وكنزها حقير والاخرة خير وأبقى فمن أصيب هنا كوفيء هناك ومن تعب هنا ارتاح هناك اما المتعلقون بالدنيا العاشقون لها الراكنون إليها فأشد ما على قلوبهم فوت حظوطهم منها وتنغيص راحتهم فيها لأنهم يريدونها وحدها فلذلك تعظم عليهم المصائب وتكبر عندهم النكبات لأنهم ينظرون تحت أقدامهم فلا يرون إلأ الدنيا الفانية الزهيدة الرخيصة .
أيها المصا بون ما فات شىء وأنتم الرابحون أيها المبتلى إصبر فوالذي نفسي بيده لن تنال مع التذمر إلا ما كتب لك وستجد في الورد الشوك وفي الحلو مراً وفي وسع الدنيا ضيقا وإن صبرت فستشرق لك الدنيا وستنسى الألم ويصلك الرضى وستنال الأجر في الآخرة (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).
من أجمل ما قرأت من الشعر في الصبر : ما أحسن الصبر في الدنيا وأجمله عند الإله وانجاه من الجزع من شد بالصبر كفا عند مؤلمة ألوت يداه بحبل غير منقطع وكذلك : يا صاحب الهم إن الهم منفرج أبشر بخير فإن الفارج الله اليأس يقطع أحيانا بصاحبه لا تيأسن فإن الكافي الله الله يحدث بعد العسر ميسرة لا تجزعن فإن القاسم الله إذا بليت فثق بالله وارضَ به إن الذي يكشف البلوى هو الله والله مالك غير الله من أحد فحسبك الله في كلٍ لك الله .
وكذلك : كن حليماً إذا بليت بغيظ وصبوراً إذا أتتك مصيبة فالليالي من الزمان حبالى مثقلات يلدن كل عجيبة وهنا ثالث يقول : وإذا مسك الزمان بضر عظمت دونها الخطوب وجلت وأتت بعده نوائب أخرى سئمت نفسك الحياة وملت فاصبر وانتظر بلوغ الأماني فالرزايا إذا توالت تولت .
وأخيراً : إذا اشتد عسر فارج يسرا فإنه قضى الله أن العسر يتبعه يسر إذا ما ألمت شدة فاصطبر لها فخير سلاح المرء في الشدة الصبر وإني لأستحيي من الله أن أرى إلى غيره أشكو إذا مسني الضر عسى فرج يأتي به الله إنه له كل يوم في خليقته أمر فكن عندما يأتي به الدهر حازما صبورا فإن الخير مفتاحه صبر فكم من هموم بعد طول تكشفت وآخر معسور الأمور له يسر .
اللهم ألهمنا الصبر كما الهمتنا النَّفّس يا من يعلم ضمير الضامرين ، يا من يعلم حوائج السائلين يا من يسمع أنين الواهنين ، يا من يعلم تأوه المتأوهين يا من أظهر الجميل وستر القبيح ،يا من لا يؤاخذ بالجريمة ولا يهتك الستر يا عظيم العفو ، يا حسن التجاوز ، يا واسع المغفرة يا باسط اليدين بالرحمة، يا كاشف البلوى ، يا منتهى كل شكوى رفعنا أكف الضراعة إليك ، فكن لكل مكروب مهموم مغموم اللهم إن كنا لسنا أهلاً للإجابة فأنت أهلاً للعفو والمغفرة اللهم من كان منا مهموماً مغموماً ففرج همه ، ونفس كربه آمين آمين آمين .