صدر عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة الديوان الأول للشاعر العراقي سعد علي مهدي بعنوان "ما زلتُ أحلم بالندى"، ويحوي بين دفتيه 21 قصيدة تنوعت بين العمودي والتفعيلة جمعتها 120 صفحة من القطع المتوسط. ويصف الناقد والكاتب رحاب الدين الهواري ديوان مهدي قائلاً : "في شلال من الدفء الجميل، وفي عزوبة شاعر يذوب عشقًا في صوت امرأة عفوي، يجتاح الحب كل مفاصله، فيعيده غضًا طريًا، يهمس بالشعر كرقراق يسيل، يومئ للبحر الذي يعزف من سكون الموج لحنًا هادئًا، ويشكو لأجنحة النوارس ما يكون من الهوى". واحدٌ عشرون نصًا ساحرًا، خطتها يد الشاعر العراقي تحمل خزائن براكين كانت كامنة، فجاءته حمم الشعر تترى، فجاء ديوانه الأول "مازلتُ أحلم بالندى" محاكاةً لواقع عاشه، ومازال يعيشه آخرون مثله، طفولة هادئة وناعمة على ضفاف الأنهار. حتى إذا نما زغب الشاربين فوق الشفاة العليا، أخذهم شط العرب وزرائب النخيل بين أحضانه، تلفهم جبال الوطن من الشمال بأمومة حانية، حتى إذا جاء نداء الواجب الوطنى، خاضوا حربًا بلا توقف، وما أن تضع الحرب أوزارها، حتى تتوالى حروب أخرى، أشد قسوةً وضراوة، ليبقى العراق وشعبه دائمًا بين مطرقة وسندان. وفي مزيج من التناقضات، تفجرت طاقات "سعد مهدي" الشعرية، فانهمرت أبياته، وتدفقت مشاعره بين يدي امرأة ناضجة؛ من أجل الحب ومن أجلها، وفي لغة عذبة هامسة، تبعث في الحزن جمالاً، وتحيل العتمة ألقًا ونورًا، جاءت قصائد المهدي عزفًا على أوتار شتى، وتر للحب، ووتر للشوق، ووتر خاص للحرب التي رمتنا ذات ليلة في بقعة أمسكتها أصابع الخراب، وأوتار أخرى تقطعت بين طرقات مدينته التي مازالت تغفو كعصفورة .. على نهر الفرات" وسعد مهدي صاحب ال 53 عاما شاعر عراقي مرهف بدأ قرض الشعر في سن مبكرة، تخرج في كلية الزراعة جامعة السليمانية شمال العراق، وتوقف عن كتابة الشعر بسبب مشاركته في الحرب مع إيران، ولم يعد له حتى العام 2004م، ويعد ديوان "مازلت أحلم بالندي" هو الأول له، وله تحت الطبع "شبح الرماد"، "الذبح شوقا"، "دموع القصائد" و "همس الجراح". ومن بين دفتي "مازلت احلم بالندي" قصيدة "بعيدا عنك" : بعيدًا عنكِ لا جدوى من التفكير بالآتي ولا حِسٌّ جميلٌ بالمَلذّاتِ.. ولا أدري لمَن أحيا.. ولا إحساسَ بالدُنيا.. ولا تعبيرَ.. لا تغييرَ.. لا تطويرَ في ذاتي بعيدًا عنكِ قد أبدو غريبًا في علاقاتي فأغضبُ دونما سببِ وأتعبُ دونما تعَبِ وقد أبدو كطفلٍ أهوج الحرَكات إذ يشتدّ بي غضَبي فأخجلُ من تفاهاتي * * * بعيدًا عنكِ لا وجهٌ يداعبُ ظلّ أحلامي ولا طعمٌ لأيامي.. أواجهُ وحدتي وحدي.. وأمضغُ منكِ آلامي فلا بحرٌ يواجهني لألقي فيه مرساتي ولا حدٌّ لأوهامي.. تُرى هل سافرَت معكِ ابتساماتي ؟ وإذ أخذَت حقيبتكِ الصغيرةُ كلّ أزمنتي.. فهل نسيَت مُعاناتي ؟ أرى الأشباحَ من حولي.. مجاميعٌ معي تمشي ولا ظلٌّ سوى ظلّي وآلافٌ من الأصواتِ أسمعُها.. كإيقاعٍ على الرملِ فأمشي دونما هدَفٍ لخطواتي. * * * بعيدًا عنكِ تؤذيني كتاباتي.. صُراخٌ في فراغ الصمت.. يمضي في متاهاتِ وآهاتٌ أترجمُها لآهاتِ بدون الخوض في المعنى.. ولا تفكيرَ في المضمون أو حرفًا به أعنى مواويلٌ من التنسيق هاربةٌ.. وعزفٌ لم يجد لحنا فأكتبُ بعض أبياتِ.. وأشطبُ بعض أبياتِ.. وأهربُ من صداع الحرف مرّاتٍ ومرّاتِ ولكن.. نحوَ مأساتي. * * * بعيدًا عنكِ.. لا خوفٌ من التفكير بالمَوتِ فقد نادَيتهُ حتى تلاشى في المدى صَوتي.. وقد أدمنتُ دعوتهُ لكي يأتي.. ولا يأتي.