أرقب باهتمام وجهات نظر مختلف التيارات اللبنانية، حول الوجود الفلسطيني وكيفية الوصول الى نقطة تلاقي «وسطي» موضوعية، من شأنها الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية من الضياع، دون انخراطهم «وطنياً وسياسياً» في المجتمعات التي أجبروا على الوجود فيها قسراً بفعل الاحتلال وسياسات التهجير التي أصابت ملايين الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه الحفاظ على الهوية الوطنية العربية للبنان وصونه من أية اختلالات قد تعبث بأمنه واستقراره وبوحدة شعبه وأرضه، وإضعاف دولته ومؤسساته. هذا دون أن نغفل الظروف المعيشية/ الاقتصادية والاجتماعية والنفسية الصعبة التي يعيش بها الإخوة الفلسطينيون، بانتفاء الحد الأدنى من متطلبات الحياة والبنية التحتية في أماكن وجودهم، بل انتفاء الحقوق الأساسية الإنسانية كالحق في العمل والتعليم والصحة والسكن ... وخلافه. والحقيقة، عبر متابعات آراء معظم التيارات اللبنانية ان لا اختلاف بينها في ما يتعلق بالبعد الإنساني للفلسطينيين في لبنان، بل التقاء تلك التيارات على ضرورة استبدال واقع المخيمات الصعب بواقع أكثر قبولا، يخفف حدة الاغتراب ويمنح قاطني المخيمات حزمة من المزايا الإنسانية، هذا الى «أن يأتي الله أمراً كان مفعولاً» ويعودوا الى بلادهم. وفي هذا تفهم أخوي وإنساني من لدن اللبنانيين تجاه إخوة العروبة، الذين هم ضحية وليسوا سبباً في ما هم فيه من حال. إلا أن للحقيقة وجهاً آخر، على قدر عال من الأهمية أيضاً، يتمثل بوجاهة الحذر من أن تكون تلك الحقوق أو المزايا «موضوع النقاش» مقدمة للتوطين النهائي في لبنان، وبالتالي إعفاء إسرائيل من واحد من أهم استحقاقات السلام التي على «اسرائيل» الاستجابة له، ألا وهو حق الفلسطينيين في العودة الى بلادهم والتعويض عليهم بما ينسجم مع الشرعية والقرارات الدولية، والذي وان تم ذلك أي هذا «الإعفاء» فإن الصراع الدائر في المنطقة منذ نشأة «اسرائيل» سوف يتحول عن وجهته الطبيعية كصراع عربي /اسرائيلي وفلسطيني/ اسرائيلي، ليصبح صراعاً داخل البيت العربي، وهو هدف طالما سعت «إسرائيل» لتحقيقه في أكثر من مرحلة وفي أكثر من ساحة عربية. بل يبقى هذا الهدف هو المخرج الدائم «لإسرائيل» للهروب من متطلبات السلام .. وعلينا أن نتذكر أن البيت الفلسطيني نفسه لم يسلم من ذلك، فنحن اليوم أمام جغرافيتين وحكومتين فلسطينيتين. وعليه فإن على العرب وبالذات من لديه وجود فلسطيني كثيف، أن لا ينساق للعواطف والهواجس السطحية، بل أن يبتعد عن المواقف المسبقة ورؤية الأمر من زوايا ضيقة، وان يعمل على تقديم معالجات مدروسة، تحقق الهدف الإنساني لفلسطينيي اللجوء في البلدان العربية المضيفة وبالذات سوريا والأردن ولبنان «على نحو خاص»، هذا دون إضاعة الجوهر الحقيقي للقضية الفلسطينية وتحويلها الى مجرد قضية إنسانية، وإضاعة مفهوم اللجوء واللاجئين والمخيمات باعتبارها أحد أهم العوامل الحيوية والبراهين الدامغة التي تبقي القضية الفلسطينية مملوءة بالحياة والحركة، بل إدامة الصراع وفق وجهته الأساسية الى أن تصبح الظروف العربية والإقليمية مواتية لان يمارس الفلسطينيون حقهم في العودة الى بلادهم. وهنا أعرض على الإخوة اللبنانيين وجهة نظر «حول هذا الموضوع والتي كنت قد قدمتها في محاضرة في جمعية الشؤون الدولية في عمان في آذار من العام الماضي. حيث ان الاردن يتشارك ولبنان في هذه المسألة بالذات ويبحث عن حل في كيفية التعامل معها.. وبالرغم ان الموضوع قد حاز نقاشا واسعا في أوساط النخب الأردنية وفي الصحافة، إلا أن ذلك النقاش لم يفضِ إلى أية نتائج. إن ترتيب مسألة الوجود الفلسطيني في لبنان يمكن أن يكون عبر تنسيق بين الحكومة اللبنانية والسلطة الفلسطينية لغاية منح فلسطينيي «لبنان» الجنسية الفلسطينية وما يتبعها من أوراق ثبوتية مثل جواز السفر الفلسطيني وهوية الأحوال المدنية الفلسطينية، ذلك أن جواز السفر الفلسطيني قد اعترف به الكثير من الدول العربية والاسلامية وبعض الدول الأوروبية. إن تجنيس الفلسطينيين في لبنان بجنسية بلادهم يقطع الشك من اليقين، من ان الوجود الفلسطيني في لبنان هو وجود مؤقت وان أية امتيازات وحقوق مدنية قد تمنح للفلسطينيين انما هي مؤقتة ايضاً وفي سياق إنساني ولا يحمل أية أبعاد سياسية. وهو إجراء تطميني لإزالة هواجس من يعتقد أن في ذلك مقدمة لتوطين. وإذا تضافرت الجهود العربية فإن مساحة الاعتراف بالجنسية الفلسطينية وجواز السفر الفلسطيني سوف تغطي أغلب دول العالم. وأعتقد أن هذا الامر متاح الآن أميركياً وأوروبياً، خصوصاً بعد الإعلان في واشنطن وباريس أن الولاياتالمتحدة الاميركية وفرنسا هما بصدد تحويل الممثليات الفلسطينية لديها الى سفارات بكامل الصفة الدبلوماسية، أي ان ذلك يعني الاعتراف بالوثائق الشخصية التي تصدرها تلك الممثليات. وفي ضوء ما سبق أي تحديد الوضع القانوني لفلسطينيي لبنان بما لا يدع مجالاً للبس، تضع الحكومة اللبنانية الترتيبات التي تراها مناسبة من حيث منحهم إقامة شبيهة بتلك الإقامة التي تمنح للرعايا العرب، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الوضع الفلسطيني، من حيث العمل/والتملك بما لا يتعارض مع مصالح الدولة اللبنانية ومواطنيها. وهنا يأتي دور العرب على تأسيس صندوق يعمل على تحسين أوضاع المخيمات الفلسطينية من بنى تحتية/مدارس /مستوصفات صحية /وماء /وكهرباء /وطرق /وصرف صحي ..الخ عبر بوابة «الاونروا» التي تحاول إسرائيل تضييق الخناق عليها مقدمة لإنهائها، لان وجود «الاونروا» شاهد دولي على حجم المأساة التي خلقها وجود «إسرائيل» للشعب الفلسطيني .. بل ان «الاونروا» هي واحد من تعبير المجتمع الدولي عن اهتمامه بالقضية الفلسطينية عبر بوابة حقوق اللاجئين بالعودة الى بلادهم.