لم أصدق ما قرأته ذات صباح عن صدور تعليمات بتعديل نسبة النجاح بين طلاب الثانوية العامة، رغم أن الخبر نشرته(الأهرام) على صفحتها الأولى (عدد 15/7) بصورة بدت مؤكدة إذ تحدثت عن أن تعليمات مشددة قد صدرت فى اللحظات الأخيرة بإدخال تعديلات جوهرية فى نسب النجاح الخاصة بالمرحلة الأولى، بعد أن تبين أنها حققت أدنى معدلاتها على مدى السنوات الأخيرة.. ولأن الخبر مهم وغريب فى دلالته، فقد توقعت تعقيبا عليه من أى مسئول فى وزارة التربية والتعليم وتمنيت أن يجئ التعقيب بالنفى، ذلك أن التعدلات الجوهرية فى نسب النجاح ليس لها إلا تفسير واحد، هو إعادة النظر فى نسب الراسبين (والتسامح) معهم على نحو يدخلهم فى زمرة الناجحين، وهو ما ينفى أمورا عدة، منها أن هؤلاء سيمنحون ما لا يستحقون، وسيوهمهم ذلك بأنهم ناجحون، بينما هم راسبون، ثم إن من شأن ذلك أن يدفع إلى التعليم العالى بأعداد من الطلاب غير مؤهلين لهذه المرحلة، الأمر الذى ينتهى بتخريج أجيال لم تتعلم شيئا ولا تجيد شيئا تضاف إلى طوابير العاطلين الذين أصبحوا يملأون الأرصفة فى بر مصر. لم يحدث شىء فى ذلك بل ومر الخبر وكأن التدخل فى نتائج امتحانات الثانوية العامة أمر عادى، شأنه فى ذلك شأن التدخل فى نتائج الانتخابات النيابية والبلدية، والتلاعب فى المسابقات والمناقصات إلى غير ذلك من الشرور والرذائل التى لم تعد محل استغراب فى زمننا. بعد أيام قليلة من نشر الخبر تلقيت رسالة من الدكتور صلاح عز الأستاذ بهندسة القاهرة أكملت الصورة فالرجل يقوم بتدريس مادة (الفلزات الفيزيائية) لطلاب السنة الثالثة، فيضع المنهج ويحاضر ويعد الامتحان ويصحح الأوراق ويقدم النتجية التى وصلت نسبة النجاح فيها هذا العام إلى 60% ولكن الذى حدث أن عميد الكلية دعا (لجنة الممتحنين) وقرر رفع نسبة النجاح إلى 80% لم يحضر الدكتور عز الاجتماع بسبب ظرف عائلى طارئ، وحين فوجئ بما حدث واستفسر من العميد قيل له إن إعلان النتائج لا يحتمل انتظار الظروف الخاصة الأدهى من ذلك والأمر أنه أبلغ بأن النتيجة كانت سترفع سواء حضر أو لم يحضر، لأنها أقل من نسب النجاح المقررة فى المواد الأخرى. قال الدكتور عز إن العميد وأعضاء لجنة الممتحنين لم يخالفوا لائحة تنفيذ قانون الجامعات التى أهدرت حق أستاذ المادة فى تعديل نتيجة مادته، لكنهم بما أقدموا عليه أساءوا إلى الجامعة وإلى الأستاذ وإلى مستقبل الطلاب الذين اعتبروا ناجحين وهم يستحقون الرسوب.ذلك أنه من الخطير للغاية أن يتحول التدخل غير المستحق فى النتائج إلى "عرف"الأمر الذى يعد فضيحة فى التقاليد الجامعية .ثم إن هذاه الخطوة تسىء إلى مركز الأستاذ وسمعته بين الطلاب ,الذين عرفوا أنه ليس صاحب قرار فى مادته ,وتساءل فى هذا الصدد قائلا:من سيأخذ المادة على محمل الجد بعد ذلك ,وكيف يتفانى الأستاذ فى تدريس مادته وهو يشعر بأن الجهد الذى يبذله والامتحانات التى يضعها غير ذات قيمة لأن"لجنة الممتحنين"هى التى ستقرر النتيجة رغما عنه؟ ولمصلحة من تزور النتيجة وترفع من 60% إلى 80%، ولماذا نعمد إلى خداع أنفسنا وإخفاء حقيقة أوضاعنا التعليمية؟ وإذا كان ذلك يحسن صورة الكلية لدى مراجع السلطة، فهل ذلك مصلحة المجتمع أم لا؟ إن رفع نسبة النجاح فى الثانوية العامة فضيحة لا ريب والتدخل لرفع تلك النسبة فى الجامعات فضيحة أخرى أما أم الفضائح فإننا نكذب ونخدع أنفسنا فى العديد من المجالات لكى نتجمل.. وهى خلاص تسوغ لنا أن نقول إن أحدا من هؤلاء لم يأخذ المسألة الأولى أو الثانية على محمل الجد، الأمر الذى يسلط الضوء على أحد أهم وأخطر المشكلات مصر الراهنة التى تتمثل فى أن أغلب المسئولين لم يعودوا جادين فى أدائهم مهماهم حيث صاروا يهتمون بالصورة وليس بالحقيقة، ولأن الفوز برضا المراجع العليا هو الأهم ولأن أحدا لا يراقب أو يحاسب فقد تركز الاهتمام على عملية التجمل الذى لم يعد يتورع عن الغش والتدليس.