منذ إعلان الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري خروج الشعب إلى كافة ميادين المحروسة إعطاء لتفويض الجيش المصري العظيم حق القضاء على جميع أشكال وصور وألوان العنف والإرهاب في شتى أنحاء مصر ، والمصريون تنتابهم مشاعر موحدة تشير جميعها إلى أن هذا الجيش هو ملك للشعب وأنه المالك الأول والأخير والحقيقي لهذه الجنود والضباط ، لأنه قديماً لم يكن الجيش بحاجة إلى أخذ موافقة شرعية وشعبية من شعبه للخروج إلا في حالات حماية المواطنين أو المتظاهرين .لكن في هذه الظروف الاستثنائية أعطى الجيش المصري درساً استثانئياً للدول التي تدعي أنها دول متقدمة وتدغدغ مشاعر مواطنيها بأنها حكومات تُعلي من قدر المواطن وحقه وقدرته في اتخاذ القرار ، حيث إنه لم يُفرض نفسه على المشهد السياسي ولم يقمع ذاته كرهاً في إحداثيات الحالة السياسية لكنه طلب الإذن وصلاحية الخروج الشرعي للقضاء على إرهاب خبيث يسعى لزلزلة أرض الأمن والأمان ، وعنف بذئ يحبو لتقويض استقرار وطن مزيته الحقيقة والأصلية أنه بلد السلم والسلام . لقد كان مشهد الخروج العظيم صفعة قوية وحادة وربما تبدو أيضاً ساخنة على وجه كل المتنطعين الذين راحوا ليل نهار يتباكون بأن انقلاباً عسكرياً قد حدث ، وأن عزل الرئيس السابق هو انقلاب قاده الجيش ضد الرئيس وجماعته وأهله وعشيرته ، لكن الحقيقة بدت جلية بإن الشعب أراد ، وما أدراك ما الشعب وإرادته الحرة ، لا يعبأ ساعتها بمليشيات مسلحة ، ولا دعامات إرهابية اعتادت تخريب الأوطان ، فتحية لشعب يمتلك جيشاً عظيماً ، وتحية لجيش له شعب يحميه بقدر حمايته له. كان الطلب الرقيق من الجيش وكان الخروج العاقل من الشعب ، وبين الطلب العسكري والخروج المصري العظيم تلبية لأمنه واستقراره لا تزال هناك أمور مستعصية تشكل معادلة فكرية شائكة أمام نهضة وطن يستحق ، والتي لابد وأن نشير إليها بجانب الاهتمام بمشهد المصريين وهم يسطرون بعقولهم وأجسادهم المتراصة بالميادين ووقع أقدامهم صفحة جديدة ناصعة واضحة في تاريخ الإنسانية ، وكم جميل من المصريين أنهم لم يلتفتوا لتلك الدعوات الخارجية التي تصر على أن ما حدث في مصر هو انقلاب عسكري وأنه من الضروري الإبقاء على حياة ديموقراطية في مصر ، لأننا جميعاً نتفق بأن مصر للمصريين وليست لتلك الجهات والمؤسسات التي يمكن وصف بعضها وتوصيفها بالمشبوهة إما من ناحية الأيديولوجية أو من ناحية التمويل . لقد كنت أصارع نفسي بعدم الكتابة عن الحدث السياسي الراهن اعتزالاً واجتناباً لفتنة تعصف بالبلاد والعباد ، ولكن هذا المنظر المهيب أرجع إلى ذاكرتي بعض الصور الحية والافتراضية عن ثورة الخامس والعشرين من يناير وكيف خرجت الجموع تلبية لنداء الحرية والتحرر من قيود القهر والقمع ، إن هذا الخروج الذي أصر على سلميته رغم ما يلصق به من أعمال عنف وهي في حقيقة الأمر ينبغي أن توجه لحركة حماس الفلسطينية التي فقدت التعاطف المصري الشعبي أبدياً ، وكذلك إلى بعض السوريين المأجورين والموتورين والهاربين بحثاً عن فوضى خلاقة في بلد يأبى الفوضى ، هذا الخروج هو إعلان ثوري متجدد بأن الوطن عصي على الاستلاب والاستقطاب والمغالبة. وكنت أحب أن يرى الجانب الآخر المنعزل عن مشهد الحياة الحقيقية في مصر أن دعوة الجيش للشعب للخروج والاستجابة السريعة لهذه الدعوة ما هي إلا رغبة حقيقية من أبناء الشعب في تحقيق الأمن والاستقرار والهدوء إلى الشارع المصري الذي لا يزال يعاني انفلاتاً أمنياً وأخلاقياً وفكرياً أيضاً ولم يتعافى بعد . وليت الجانب الآخر المتهم بممارسة العنف وأعمال البلطجة ينصت إلى صوت العقل ورأي الدين وعدم الانصياع إلى أفكار بعض الموتورين الذين يسعون لمصالحهم ومطامحهم الشخصية من أجل إقامة تنظيم أو الوصول إلى منصب قيادي رسمي . مصر المحروسة لا ولن تجر أبداً إلى حرب أهلية بين طوائفها لأنها شعب واحد بقلب واحد ، ولن تنجح محاولات الغرب المتمثل في الولاياتالمتحدةالأمريكية التي فقدت السيطرة نهائياً على نظم الحكم في مصر تحديداً منذ غفلتها وإفاقتها على يوم الخامس والعشرين من يناير 2011م ، وظلت حالة الغفوة التي تعيشها وتعيشها الإدارة الأمريكية الحبيسة في رهن تفكير المعونة والمساعدات طيلة أعوام ثلاثة لأنها بالفعل رغم مشروعاتها التنموية الخبيثة التي شيدتها في مصر منذ نهاية التسعينيات وحتى ثورة يناير والتي كانت تظن أن من خلالها يمكن السيطرة على العقل المصري وترويضه ، إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق خطتها بفضل إرادة ووعي شعب لا يغفل عن وطنه أبداً.