بعد سنوات طويلة من العلاقات المتشابكة بين الكرملين ومجموعة فاجنر العسكرية انقلب يفغيني بريغوجين، المعروف إعلاميًا ب"طباخ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين" على سيد الكرملين الذي وصف التحرك ب"طعنة في الظهر" و"خيانة" و"غدر" يستوجب "عقابًا صارمًا". طباخ الرئيس حقق بمجموته انتصارات كبيرة لروسيا في حربها ضد أوكرانيا منذ 24 فبراير 2022، لكن المجموعة الآن باتت تمثل كابوسًا للرئيس الروسي، بعدما قادت تمردًا على القيادة العسكرية الروسية، وإعلانها السيطرة على مواقع عسكرية جنوبروسيا. رد بريغوجين، على خطاب الرئيس الروسي جاء سريعًا واعتبر أن "بوتين اختار الطريق الخطأ" مضيفا بصيغة التهديد "سيكون لروسيا رئيسًا جديدًا". التصريحات قطعت أي أمل في المصالحة مع الكرملين، إذ تخطى الرجل المثير للجدل كافة الخطوط الحمراء المرسومة بوضوح في بلد مثل روسيا. فاجنر.. وقود للحرب في أوكرانيا أسست مجموعة فاجنر خلال أحداث ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 في المعارك الأولى في دونباس بأوكرانيا، نشطت المجموعة في كل من أوكرانيا وسوريا وعدد من الدول الأفريقية، واتُهمت مرارًا بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان. تُجند فاجنر بشكل أساسي قدامى المحاربين الذين يحتاجون إلى سداد الديون وتغطية تكاليف الحياة الصعبة، كما تعتمد في بعض الأحيان على السجناء في روسيا مقابل الأموال والعفو عن باقي مدة الحكم. الدستور الروسي يعارض إدارة جيش من المرتزقة لكن فاجنر أصبحت قوة يمكن استغلالها في عدة مناطق في العالم والتنصل من وحشيتها بسهولة، ويعتقد يعتقد البعض أن وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية مول وتشرف سرًا على المجموعة. خلال الحرب الأوكرانية نفذت قوات فاجنر هجمات متبعين استراتيجية "العلم الزائف" في شرق أوكرانيا، لإعطاء روسيا ذريعة للهجوم، وفقًا لأستاذة الصراعات والأمن في جامعة كينغز كوليدج بلندن تريسي جيرمان. أدت الحرب الأوكرانية إلى تسليط الأضواء على بريغوجين ومجموعته، وكشف تحقيق أجرته شبكة "سي إن إن" الأمريكية أن فاجنر تقوم بتجنيد القتلة وتجار المخدرات من السجون مع وعد بأنه إذا نجوا من الحرب، فسيتم منحهم عقوبات أقصر أو حتى العفو. مع صعوبة إحصاء القتلى وخسائر فاجنر خلال المعارك في أوكرانيا، قدرت أجهزة الاستخبارات الأمريكية في مطلع مايو الماضي خسائر القوات الروسية في أوكرانيا منذ ديسمبر الماضي بنحو 20 ألف قتيل و80 ألف جريح. وقالت إن نصفهم على الأقل ينتمون إلى مجموعة فاجنر وغالبيتهم سجناء سابقون "ألقي بهم في القتال في باخموت بدون تدريب أو قيادة عسكرية كافية". قبل نهاية مايو، كشف رئيس المجموعة عن حجم الخسائر التي تكبدتها قواته في معركة باخموت، مؤكدًا على مقتل أكثر من 20 ألفًا من قواته، فضلاً عن مقتل حوالي 20% من 50 ألف مدان روسي جندهم للقتال في الحرب في أوكرانيا. انقلب السحر منذ عدة أشهر خاصة مع ازدياد حدة المعارك في باخموت الأوكرانية، واجه بريغوجين الرجل الثري الذي يمتلك سلسلة مطاعم ولديه العقود الحكومية لتوفير وجبات لأطفال المدارس والموظفين الحكوميين وحتى الجيش تتخطى ال3 مليارات دولار، سيده في الكرملين بوتين بشكل مباشر بشأن اعتقاده بأن الجنرالات الروس يسيئون إدارة الحرب في أوكرانيا. المعارك في باخموت التي استمرت لنحو 15 شهرًا بلورت الخلافات بين رئيس فاجنر وقادة الجيش الروسي وألقت الضوء بشكل كبير على تراجع العلاقة بين بريغوجين والقيادة العسكرية في موسكو، إذ اتهمها مرارًا، ب "الخائنة والمتقاعسة". وظل ينتقد القيادة العليا الروسية ل"سوء إدارتها" للحرب في أوكرانيا، متهمًا وزير الدفاع والقائد العسكري للبلاد بعدم الكفاءة. وأمام عشرات الجثث من مجموعة فاجنر وصف رئيس المجموعة في مقطع فيديو قادة الجيش الروسي ب"الحثالة والكلاب" واتهمهم بالمسؤولية عن مقتلهم؛ لعدم إرسال الدعم والإمدادات اللازمة، في المعركة الطويلة للسيطرة على باخموت التي استمرت لنحو 15 شهرًا. في نفس الشهر هدد بريغوجين بسحب قواته من باخموت الأوكرانية بسبب الخسائر الفادحة وعدم كفاية إمدادات الذخيرة. بعد الاستيلاء على المدينة بأيام وتحديدًا في 13 يونيو الجاري، ووسط الخلاف الحاد مع وزارة الدفاع الروسية قال رئيس مجموعة فاجنر إنه "ليس على يقين" مما إذا كانت قواته ستواصل القتال في أوكرانيا. وقبل ساعات من الأحداث الأخيرة اتهم وزارة الدفاع ب"خداع" بوتين بشأن التهديد الذي تشكله أوكرانيا قبل غزوها في فبراير 2022، مشككًا في الدوافع الروسية للحرب. وهدد قائد فاجنر الجمعة بمهاجمة الجيش الروسي ردًا على "ضربة قاتلة" وجهها الجيش ضد قواته واتهم الجيش الروسي بقصف معسكرات لقواته في أوكرانيا، ونفت وزارة الدفاع الروسية تلك العملية. ودعا بريغوجين الروس إلى النزول إلى الشوارع فيما اسماه "مسيرة من أجل العدالة" ضد وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، وفاليري غيراسيموف، رئيس هيئة الأركان العامة. رافضًا وصف تحركات قواته ب"الانقلاب". ردت أجهزة الأمن الروسية باتهام بريغوجين ب"شن محاولة انقلابية" قبل ساعات من التحركات العسكرية الأخيرة. وفتحت موسكو تحقيقًا بحق قائد فاجنر بشأن دعوته إلى "تمرّد مسلّح" ضد الجيش الروسي. انتهت التهديدات والدعوات بتحركات عسكرية ومنذ إعلان تمرد فاجنر رُصدت قواتها في 3 مناطق روسية هي روستوف وفورونيج وليبيتسك. وأعلنت السلطات فى العاصمة الروسية موسكو والمنطقة المحيطة بها حالة الطوارئ لمواجهة الإرهاب.