ثنائي البهجة.. "بكيزة وزغلول" تجربة لا تموت

البداية مختلفة والطباع كذلك. جاءت صاحبة السعادة من الإذاعة، فيما انطلقت "سوسكا" من المسرح القومي، لكنهما تركا معًا ضحكة لا ينقطع صداها حتى مع رحيل إحداهما.
غادرت عالمنا مساء اليوم، الفنانة سهير البابلي بعد صراع من المرض، عن عمر يناهز 86 عامًا، لم تتأخر رفيقها إسعاد يونس عن نعيها بطريقتها. اكتفت بنشر صورة تجمعهما معًا.
"أنا ما شوفتش اتنين جم زينا" تقول "سوسكا" –اسم الدلع للفنانة سهير البابلي- بينما تضحك إسعاد خجلاً. رغم فارق العمر بينهما البالغ نحو 15 عامًا، لكنهما استطاعتا بأعمال معدودة أن يرسخا ليس فقط علاقة فنية بل إنسانية.
عام 1979، تجلس سهير على خشبة مسرح في حديقة الأندلس، تبدأ تجربة مسرحية جديدة مع الفنان أبو بكر عزت، يضع المخرج المسرحي سيد راضي مع الفنانين تفاصيل العمل الكوميدي، فيما يقترب بشابة، "كوميديانة" لفتت الأنظار مع سمير غانم في المسلسل التليفزيوني حكايات ميزو. تتقدم إسعاد، الممثلة القادمة من عالم إذاعة الشرق الأوسط نحو سوسكا "وأنا داخلة شايفاكي من بعيد صغننة وكل ما أقرب تكبري تكبري. قربت لحد ما لقيتك. يا نهار أزرق دي سهير البابلي". كذلك كان اللقاء الأول للصديقتين.
احتضنت سهير بأناقة الهوانم الممثلة الشابة، فيما أصبح لدى الأخيرة شعورًا لازمها حتى بعدما تجاوزت كليهماالسبعين "اللحظة دي اللي اتولدت فيها طبيعة بكيزة وزغلول. طريقتك وأنت هانم على المسرح وأنا جاية ألعب دورشغالة في المسرحية".
أضاف دور سعيدة الذي لعبته إسعاد للكوميديا التلقائية التي انتهجتها سهير وشاركها فيها أبو بكر عزت، وكانت بداية علاقة صداقة فريدة بين سوسكا وإسعاد دامت لأعوام حتى رحيل سهير البابلي اليوم.
عرف الجمهور الثناني الكوميدي بالمشاكسة على الشاشة، تتعالى بكيزة على زغلول، تلقي عليها وابل من اللكمات والشتائم، لكن لا تقوى على الاستغناء عنها، وتشعر نشوى هانم في الدخول بالملابس الرسمية بشيء من المودة تجاه سعيدة رغم أنها المربية لطفلها الوهمي. كالقط والفأر، يتنافران لحد الاقتراب، ويقتربا لحد التنافر، وكذلك كانا في الحقيقة، ولعل هذا سر تفاهمهما كما تقول سهير في لقاء تليفزيوني "أنا وإسعاد فاهمين بعض جدًا حتى لو حصل مليون خلاف على أراء. أصل لو ما اختلفناش مش هيبقى في صداقة. أحنا نتخاصم ونتصالح وارجع اكلمها في التليفون تجري وتيجي".
مسرحيتان ومسلسل وفيلم هي الأعمال التي جمعت سهير البابلي وإسعاد يونس، غير أن شخصية بكيزة الدرملي وزغلول العشماوي ظلتا الأقرب لهما وللجمهور، رغم التخوف الشديد لسوسكا من خوض التجربة كما صارحت صاحبة السعادة في آخر مقابلة تليفزيونية معها "كنت مخضوضة وعارفة أنه مش هينجح. كنت طبيعية أنا وأنت زيادة على اللزوم، ودي حاجة كانت جديدة على التليفزيون".
آمنت سهير بقدرات إسعاد في الكتابة، وتركت الأخيرة الحرية لموهبة سوسكا في الكوميديا، فارتجلا معًا تفاصيل أوقعتهما في الضحك قبل الجمهور. طالما رددت البابلي "أنا كوميديانة"، وكذلك فعلت إسعاد. تطل من كل منهما خفة تضفي على جلساتهما أينما وجدا.
بعد عرض مسلسل بكيزة وزغلول في التلفزيون عام 1986، أراد الثنائي الكوميدي أن يصنعا سلسلة تحقق مزيد من البهجة والنجاح ل"الدويتو"، فشاركا في صناعة فيلم ليلة القبض على بكيزة وزغلول بعد عامين من المسلسل، ومازالت "إفيهاته" تتداول إلى الآن، لكن لم تسعف الظروف في تنفيذ رغبة الصديقتين.
توقفت سهير عن التمثيل في التسعينيات، اعتزلت الفن واختفت عن الأضواء، فيما استكملت إسعاد المشوار، حتى بعد عودة سوسكا الخجول في الألفينيات بعمل تليفزيوني، لكنها ظلت بعيدة عن الأنظار، تُطل من آن لآخر، إلا أن بكيزة "لا تتكرر" كما تصف إسعاد.
مع إطلاق إسعاد برنامجها الشهير صاحبة السعادة، لم تنس صديقتها ورفيقة الكوميديا، واصلت تنشر عنها، مرة صورة تجمعهما من الكواليس، وأخرى تهنئها بعيد ميلادها في 14 فبراير، حتى سبتمبر 2014.
أطل الثنائي المبهج على الشاشة، ليس في عمل، لكن مقابلة. خلال ما يزيد عن الساعة، استعادت البابلي ذكرياتها مع المسرح والسينما، جلست مع رفيقتها التي تقف على الضفة المقابلة لها من الحياة كما تحكي في إحدى لقاء تليفزيوني"إسعاد مخ حلو جدًا بس بطيئة التنفيذ وأنا سريعة. هي هادية أنا متسرعة عشان كده أنا وهي متفقين في حاجات كتير جدًا".
تشاهد "سوسكا" لقطة من مسلسل بكيزة وزغلول كأنما لم تشارك فيه. ظلت تضحك مع صديقتها بينما توجه لها الضربات في المسلسل "يا عيني ده أنا بعمل فيكي عمايل". عاد الزمن بسهير وإسعاد، أظهرا ما تخفياه وراء الشاشة من صداقة لم تقتصر على العمل. اتفقا أن يعودا معًا مرة أخرى، وتحمست سهير بشدة للتواجد بصحبة مناكفتها المقربة لكن المرض حال بينهما.
عانت سهير من مرض السكر، وعلى إثره اشتد وضعها الصحي سوءًا، غير أن إسعاد حرصت ألا تغيب صديقتها؛ في سبتمبر 2019 نشرت صاحبة السعادة فيديو مع سوسكا، ترسل فيه رسالة اطمئنان للجمهور، وكما يظهرا دائمًا، لم يغب "الإفيه" عن لقائهما رغم ما فعله العمر بملامحهما، لتظل الضحكة القاسم المشترك وآخر مع تركاه معًا على الشاشة.
تابع تغطية خاصة لوفاة الفنانة سهير البابلي (اضغط هنا)