"أساء الأدب مع الله" هكذا وصف الشعراوي سلسلة مقالات الحكيم "حديث مع الله" وقال عنه "توفيق الحكيم حيث لا توفيق ولا حكمة"، هكذا تسببت تلك المقالات في معركة كبرى بين الحكيم وبين أشهر مشايخ عصره، وفي ذكرى ميلاده ننشر أهم ما كتبه توفيق الحكيم من أدب يممكنا تسميته بالأدب الديني، ونعرض كذلك معركته مع الشعراوي وأسبابها.. في مثل هذا اليوم 9 من أكتوبر عام 1898 ولد توفيق الحكيم، الأديب والمفكر، بالإسكندرية ثم انتقل للقاهرة لدراسة الثانوية في مدرسة محمد علي، والتحق بكلية الحقوق ثم تخرج عام 1925م، وسافر إلى باريس ليستكمل الدراسات العليا لكنه شغل بالفن والأدب الفرنسي وعاد بعد ثلاث سنوات دون أن يحصل على أي شهادة، وكانت من بين كتبه التي تتحدث عن تلك المرحلة (سجن العمر وزهرة العمر.. وهما سيرة ذاتية له) وأيضًا رواية (عصفور من الشرق) التي كانت فكرتها تعبر عن مرحلة حقيقية من حياته أثناء اقامته في فرنسا. كتب توفيق الحكيم العديد من المؤلفات التي كان الدين محورها الأساسي، سواء في مجموعته القصصية "أرني الله" والذي يحوي قصته الشهيرة التي يحمل الكتاب اسمها أو غيرها من الكتابات، وكانت تدور قصة "أرني الله" حول طفل صغير طلب من أبيه أن يريه الله، ففي إحدى المرات التي شكر الله فيها الأب امام الطفل قال له: إنك يا أبت تتحدث كثيرًا عن الله.. أرني الله! فدار بينهما الحوار التالي: - تريد أن أريك الله؟ - نعم أرني الله! - كيف أريك ما لم أره أنا نفسي؟ - ولماذا ايا أبت لم تره؟ - لأني لم أفكر في ذلك قبل الآن وتروي القصة محاولات الأب مع رجال الدين ومن يعرفون الله محاولًا أن يصل إلى طريقة يستطيع بها أن يرى الله فيخبره أن الله لا يرى بأدواتنا البصرية وحواسنا.. - وكيف أراه إذن؟ - إذا تكشف هو لروحك - ومتى يتكشف لروحي؟ - إذا ظفرت بمحبته. ويدعو الناسك للأب بأن يرزقه محبته بمقدار نصف ذرة فقط لأن ذرة كاملة لا يستطيع تحملها، ويخرج الأب ويغيب بعد ذلك في الصحراء زاهلًا حتى يتوصل له أهله والناسك وهو زاهل تمامًا عنهم، فيقول الناسك في النهاية لأبنه: أرأيت؟..إن نصف ذرة من نور الله تكفي لتحطيم تركيبنا الآدمي واتلاف جهازنا العقلي. أما كتابه "التعادلية مع الإسلام" فتحدث فيه الحكيم حول أفكاره في الحياة والفن والأدب والدين والإيمان، أو يمكننا القول أن الكتاب يحوي فلسفة توفيق الحكيم الخاصة في تفسير الكون وعلاقات الإنسان به وبخالقه. فمن بين تلك الأفكار رفضه للاحتكام للعقل في البرهنة على الإيمان او وجود الله. فيقول: "أنا أحس بشعوري الداخلي أن الإنسان ليس وحده في هذا الكون، و هذا هو الإيمان. و ليس من حق أحد أن يطلب إلى الإيمان تعليلاً أو دليلاً. فإما أن نشعر أو لا نشعر، و ليس للعقل هنا أن يتدخل ليثبت شيئاً.. و إن أولئك الذين يلجأون إلى العقل و منطقه ليثبت لهم الإيمان، إنما يسيئون إلى الإيمان نفسه. فالإيمان لا برهان عليه من خارجه. إنى أومن بأنى لست وحدي، لأنى أشعر بذلك … و لم أفقد إيماني، لأني رجل معتدل". ويقول أننا عندما نسأل العقل أن يصنع لنا صورة لله فيفشل في ذلك يبدأ الفكر الإلحادي "فبدلا من أن نضحك ونهزأ بالعقل، نضحك ونهزأ بفكرة الله!". وبصفته رائد المسرح الحديث، تعتبر مسرحية "محمد صلى الله عليه وسلم" التي كتبها من أهم مؤلفات الحكيم، وتناول فيها حياة الرسول صلى الله عليه وسلم رسالته وبعثته في شكل مسرحي حواري، وهو شكل جديد ومتميز لم يسبقه أحد إليه، وقال عن ذلك في مقدمتها: "المألوف في كتب السيرة أن يكتبها الكاتب سردًا باسطًا محللًا مدافعًا مفندًا...عندئذ خطر لي أن أضع السيرة على هذا النحو الغريب...وحاولت على قدر الطاقة أن أضع كل ذلك في موضعه كما وقع في الأصل وأن أجعل القاريء يتمثل كل ذلك كأنه واقع أمامه في الحاضر، غير مبيح لأي فاصل، حتى الفاصلص الزمني أن يقف حائلًا بين القاريء وبين الحوادث.." ومن أهم تلك المؤلفات أيضًا مسرحيته "أهل الكهف" والتي تدور حول قصة أهل الكهف المذكورة في القرآن الكريم وأيضًا الكتاب المقدس، وتعتبر من أشهر مسرحيات توفيق الحكيم، وعرضت على المسرح القومي عام 1935 من إخراج عباس طليمات. وحازت مسرحية أهل الكهف على شهرة كبيرة وتم ترجمتها إلى عدة لغات على الرغم من أنها كانت ثاني أعمال توفيق الحكيم التي تم اصدارها لأول مرة عام 1933م. معركة توفيق الحكيم مع الشيخ الشعراوي في أوائل الثمانينات كتب توفيق الحكيم سلسلة مقالات في الأهرام بعنوان "حديث مع الله" ولاقت المقالات انتقادات واسعة من علماء المسلمين وأشهرهم الشعراوي الذي كتب في جريدة اللواء الإسلامي مقالات نازعة تهاجم توفيق الحكيم وتتهمه بأنه يسيء الأدب مع الله، وأن الحوار الذي زعم توفيق أنه تخيله مع الله غير جائز، قائلًا أن كل من ينقل حديثًا عن الله لم يقله فله الويل. ومن نماذج بداية حديث توفيق الحكيم مع الله في مقالاته: "لن يقوم إذن بيننا حوار إلا إذا سمحت لي أنت بفضلك وكرمك أن أقيم أنا الحوار بيننا تخيلا وتأليفا، وأنت السميع ولست أنت المجيب، بل أنا في هذا الحوار المجيب عنك افتراضًا، وإن كان مجرد حديثي معك سيغضب بعض المتزمتين لاجترائي في زعمهم على مقام الله سبحانه وتعالى، وخصوصا أن حديثي معك سيكون بغير كلفة". فيما بعد نشر توفيق الحكيم كتابًا مستقلًا يضم تلك الأحاديث واسماه "الأحاديث الأربعة والقضايا الدينية التي أثارتها"، ورد في مقدمته على منتقديه: "إنها مناجاة بلغتي الخاصة وثقافتي الخلاصة تعبيرًا عن حبي الخالص لربي" فلن أقبل الفكر الذي يصدر بلا تفكر عن غير عقلي الذي خلقه الله ليفكر ولا أرتدي بلا مناقشة ما خرج من قلب وعقل الآخرين دون تأمل فيه وتمحيص، أما الضجة التي حدثت فهي طارئة ودخيلة على القضية التي سأفرد لها مكانا نظرا لأهميتها، هذا وقد رأيت عند إعادة الطبع في هذا الكتاب استبعاد كل الكلمات والأسطر التي كتبت تخيلات منسوبة إلى الله مراعاة للحساسية الدينية التي لا أريد إطلاقا أن تسبب إزعاجا لأي مؤمن...". وفي مقدمة الكتاب أيضًا انتقد توفيق "بعض" علماء الدين باعتبارهم يريدون أن يكون لهم وحدهم الحق في تشكيل عقلية الأمة على أساس العلم الديني الذي درسوه هم من الكتب "طبقًا للنصوص التي قرأوها وأقروها وحدها وقرأوها على طريقتهم، أي منفصلة عما استجد في العالم من معارف واضافات"، وقال الحكيم أن هؤلاء العلماء لا يعترفون أن غيرهم له الحق في التوجيه وتشكيل عقل الأمة أيضًا على أساس العلم والثقافة العصرية بدون رقابة منهم، واختتم حديثه قائلًا: "والله تعالى أكبر، وعلمه أوسع، ورحمته أعمق، وغفرانه أرحب".