من الوزارات إلى المحافظات، ومن الشركات القابضة إلى الهيئات، تمثل هيئة الرقابة الإدارية في تقديرنا الشوكة والسكين في مواجهة طبق الفساد العامر. بفضل جهودها الكبيرة، خصوصًا في السنوات الأخيرة، سقط عدد من كبار الفاسدين، وبعضهم في مواقع المسؤولية، وتمكنت الهيئة من استرداد مليارات الجنيهات من المال العام. ومع علمنا وتقديرنا لهذه الجهود، فإننا نشير إلى أن الكشف عن هذه القضايا يعني ببساطة أن هذا ليس سوى قمة جبل الجليد، وأن الجزء الغاطس من قضايا الفساد يظل أكبر بكثير مما يتم الكشف عنه بفضل الجهود المقدرة للرقابة الإدارية وغيرها من الأجهزة المعنية. ولعل كثيرين يجهلون أن الرقابة الإدارية هيئة مستقلة، طبقًا للقانون رقم 54 لعام 1964، وصدر قرار بتجميد نشاطها 1980، وأعيد تشكيلها عام 1982، وتطوير اختصاصاتها في دستور 2014، لتصبح هيئة مستقلة فنيًا وماليًا وإداريًا تمارس كل أشكال الرقابة الإدارية والمالية، وضبط الجرائم الجنائية، ومكافحة الفساد، وتعمل بتنسيق كامل مع الأجهزة الإدارية بالدولة إضافة إلى الرقابة الأمنية، لحل مشكلات العمل والإنتاج، والحد من الانحراف بالوظيفة العامة. طبقًا لقانون إنشائها، تختص الرقابة الإدارية ببحث وتحري أسباب القصور في العمل والإنتاج، واقتراح وسائل تلافيها والكشف عن عيوب النظم الإدارية والفنية والمالية التي تعرقل السير المنتظم للأجهزة العامة، واقتراح وسائل تلافيها، ومتابعة تنفيذ القوانين، والتأكد من أن القرارات واللوائح والأنظمة السارية وافية لتحقيق الغرض منها، والكشف عن المخالفات الإدارية والمالية والجرائم الجنائية التي تقع من العاملين بالجهاز الإداري للدولة أثناء مباشرتهم واجبات وظائفهم أو بسببها، وضبط الجرائم الجنائية التي تقع من غير العاملين، وتستهدف المساس بسلامة أداء واجبات الوظيفة أو الخدمة العامة، وبحث الشكاوى التي يقدمها المواطن عن مخالفة القوانين والإهمال في أداء واجبات الوظيفة، إضافة إلى مقترحاتهم بقصد تحسين الخدمات، وانتظام العمل وسرعة إنجازه، وبحث ودراسة ما تنشره الصحافة من شكاوى أو تحقيقات، بشأن الإهمال أو الاستهتار، أو سوء الإدارة أو الاستغلال، وكذا ما تتعرض له وسائل الإعلام في هذه النواحي، وإمداد رئيس الوزراء والوزراء والمحافظين بالبيانات والمعلومات أو الدراسات التي يطلبونها. في السنوات التالية لثورة 25 يناير، تردد اسم الرقابة الإدارية في وقائع مختلفة تخص محاكمة وزراء مسؤولين في اتهامات بالفساد في عهود سابقة. وفي عهد الرئيس السيسي، أصبحت من أهم الأجهزة الرقابية التي يعتمد عليها الرئيس، في ظل تراجع مكانة الجهاز المركزي للحسابات -خاصة تحت إدارة هشام جنينة، في نظر السيسي وأركان حكمه. تجسد هذا الاهتمام في موافقة مجلس الوزراء في 20 يوليو 2017 على توسيع صلاحيات هيئة الرقابة الإدارية، من خلال تعديل بعض أحكام القانون رقم 54 لسنة 1964 بشأن إعادة تنظيم الرقابة الإدارية. تضمن أهم التعديلات النص صراحة على أن هيئة الرقابة هيئة مستقلة تتبع رئاسة الجمهورية، حيث منحها مشروع القانون الشخصية الاعتبارية والاستقلال الفني والمالي والإداري. نصت التعديلات على أن تعيين رئيس الهيئة يكون بقرار من رئيس الجمهورية، بعد موافقة مجلس النواب، لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد. واستحدث مشروع القانون عددًا من المواد أبرزها جعل الهيئة مكونة من عدة أجهزة لمنع ومكافحة الفساد، وإضافة اختصاصات جديدة للهيئة تتعلق بكشف وضبط الجرائم التي تستهدف الحصول على ربح أو منفعة باستغلال المنصب أو الوظيفة والجرائم المتعلقة بتنظيم عمليات النقد الأجنبي. وأنشأ مشروع القانون مركزًا متخصصًا بالهيئة يسمى (الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد) بهدف إعداد وتدريب أعضاء الهيئة وغيرهم، والتعاون مع الهيئات والأجهزة المتخصصة لمكافحة الفساد في الدول الأخرى، وذلك من خلال تنظيم دورات تدريبية ومؤتمرات وندوات وحلقات نقاش، ونشر قيم النزاهة والشفافية وتبادل الخبرات وإيفاد البعاث الدراسية والتدريب ومنح درجتي الدبلوم والماجستير في مجالات نظم إدارة ومكافحة الفساد طبقًا للأوضاع المقررة قانونًا بالتنسيق مع المجلس الأعلى للجامعات لاعتماد الدرجات الممنوحة.