كتبت – نانيس البيلي: في خضم الحزن الذي عاشه المصريون خلال اليومين الماضيين على ضحايا حادث تصادم قطاري الإسكندرية الذي راح ضحيته أكثر من 41 قتيلاً وعشرات المصابين - وفق الرواية الرسمية لوزارة الصحة، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي موجة من الغضب بسبب صورة "سيلفي" التقطها عدد من المسعفين في موقع التصادم ومن ورائهم حطام القطارين، وهو ما رصدته عدسة الزميل أحمد حماد ، المصور بمجلة الإذاعة والتليفزيون أثناء تغطيته للحادث. وقامت هيئة الاسعاف بنقل 6 من موظفي الإسعاف "عقابًا لهم على نشر الصور" إلى منطقة "سيوة" الحدودية، ويعلق مدير هيئة الإسعاف المصرية، أحمد الانصاري على الواقعة بقوله "كان سلوكًا غير ملائم". "مصراوي" حاور أحد هؤلاء المسعفين الستة الذين شاركوا في عملية نقل الجثث والمصابين. "أنا نفسيتي تعبانة ومش هقدر أتكلم، كفاية اللي بيحصلنا وكفاية اللي بنشوفه إحنا وأولادنا وأمهاتنا" كلمات تغلبها الدموع الحارة قالها "محمد حسن زكي" أحد رجلي الإسعاف صاحبا واقعة "مسعفي السيلفي" في حادث تصادم قطاري الإسكندرية، رافضًا في البداية بشكل قاطع الحديث عن الواقعة "أنا مظلوم، بس أسف سامحيني واحترموا شعوري ونفسيتي السيئة". بشق الأنفس وبعد جهود مضنية لاقناعه بتبرير ما فعله أو الدفاع عن نفسه على اعتبار أنه مدان أمام الرأي العام، صمت قليلاً فبل أن ينخرط في البكاء قائلاً "أنا تعبان من الظلم الواقع عليا، حسبي الله ونعم الوكيل في اللي صورني" مشيراً إلى أنه صحفي يعلم اسمه جيداً وأنه لم ينشر الصورة بنفسه. "كنت بوثق وبفتخر بنفسي إني اتعاملت مع الحدث وخلصت شغلي على أكمل وجه، لأن الحادثة كانت فظيعة" هكذا برر "زكي" التقاطه "سيلفي" بصحبة زميله في موقع حادث قطاري الإسكندرية بعد الانتهاء من مهامهما في نقل المصابين والجثث، مضيفًا أنه لم يكن ينوي نشرها عبر السوشيال ميديا ولكنه فقط أراد أن يريها لأسرته ليزيد فخرهم به وبعمله "عشان أقول لعيالي إني في يوم من الأيام قدمت شغلي بضمير وكنت بخدم وطني وشعبي". بصوت مختنق، يقول "زكي" إنه لم يتخل عن مشاعره الإنسانية وهو يلتقط "السيلفي" بدليل ملامحه الجامدة الخالية من أي تعبيرات "أنا لا بضحك ولا مبتسم ولا مبسوط"، ويضيف أنه أراد الاحتفاظ بها لنفسه لكي يفخر مستقبلاً أنه كان سببًا في إنقاذ أرواح "القرآن بيقول من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا"، وأنه كان يضع نفسه مكان أهالي الضحايا. يرى "زكي" أن الهجوم عليه غير مبرر، لأنه لم يصور نفسه مع ضحايا أو مصابين "أنا كنت بتصور مع حتة حديدة، مكنش فيه حد في المكان ده، وبصور على تليفوني الشخصي"، موضحًا أنه قرر التقاط "السيلفي" بعدما انتهوا تمامًا من عملهم قبيل أذان المغرب "كان وقت خلصنا نقلنا المصابين والجثث من قلب الحدث، كانت الشمس راحت". "عشان خاطري أنا ممكن يجيلي سكتة قلبية لو كملت، مش قادر والله" قالها "زكي" بصوت باكي طالبًا إنهاء المكالمة الهاتفية، وأنه سيدافع عن نفسه عقب تحسن حالته النفسية "أنا مظلمتش حد".. محاولات حثيثة آخرى لإقناعه بالتحدث وتبرير موقفه أمام الرأي العام، ليقتنع الرجل ويقول بصوت منهك يسمع بالكاد "اسمي محمد حسن محمد زكي، أنا بخدم في الاسعاف من 2007، وطول عمري بخدم بلدي شعبي بكل أمانة وبغطي شغلي على أكمل وجه". يلتقط أنفاسه، ويقول إنه شارك في أحداث غزة في عام 2008 "كنت من أول 25 عربية إسعاف دخلتها وكنت بنقذ المصابين من قلب غزة"، مضيفًا أنه استمر لشهر ونصف بمدينة رفح لإنقاذ ضحايا حرب غزة وعمل في ظروف شديدة الصعوبة " كنت ببات في الشارع على الأرصفة، فضلنا مرابطين على معبر رفح.. ده تاريخي". يتذكر "زكي" يوم حادثة القطارين جيداً، فيقول إنه تلقى إشارة بوقوع حادث التصادم في تمام الثانية و21 دقيقة ظهر الجمعة، ليصل إلى موقع الحادث بعد 5 دقائق في تمام الثانية و26 دقيقة " لأن أنا أقرب نقطة إسعاف لموقع الحدث"، يصمت قليلاً ويضيف أنه رأى مشاهد مروعة اعتادها لأشلاء وجثث ومصابين، لا يزال عالقًا في ذهنه مشهد حمله طفلين مصابين بإصابات خطيرة " كانوا مجهولين الاسم والعنوان، وصلتهم بنفسي مستشفى الجامعة وهما بينزفوا". 76 عربية اسعاف حضرت تباعًا إلى موقع الكارثة من مرافق إسعاف الإسكندرية والبحيرة ومطروح تضم عشرات المسعفين، بحسب "زكي"، ويضيف أنهم انتهوا من مهمة إخلاء الضحايا قبيل المغرب، بينما رابطوا في أماكنهم لتأمين رجال الشرطة والمطافيء والأوناش المتواجدين كذلك للتعامل مع الحادث "لربما يحدث حاجة، حد يصاب أو يقع عليه حاجة، لازم يبقى فيه اسعاف ينقذهم". لأول مرة يقوم "زكي" بالتقاط صور لنفسه في موقع حادث طوال مدة عمله بمرفق الاسعاف التي تجاوزت ال10 سنوات "أنا معملتهاش قبل كده والله"، يصمت قليلاً قبل أن يقول غاضبًا إن الشخص الذي التقط له الصورة التي أغضبت المصريين منه كان بعدما فرغ تمامًا من مهمته السامية "ده صحفي مغرض حاقد بيستخدم حاجات عايز يمسح مجهودنا اللي إحنا عملناه". "دول أهلنا وبعتبر إن ابني كان ممكن يبقى من الضحايا" يقول "زكي"، ويضيف إنه يقدم العزاء لأسر المتوفين ويتمنى الشفاء العاجل للمصابين، ويختتم قائلاً إنه يشعر براحة تامة لضميره لقيامه بعمله على أكمل وجه "بدليل إن محافظ الإسكندرية منزل للإسعاف بيان شكر وتقدير"، مشيراً إلى أنه لم يتواصل معه أحد من مسؤولي هيئة الاسعاف لتأنيبه على "السيلفي" وأنه فوجيء بقرار نقله إلى سيوة "قياداتي واقفة جنبي، ومحدش كلمني يلومني على الصورة".