لا يختلف عن غيره من الشباب البسيط في كل شيء، بدءً من ملامحه المصرية، وتعامله وحتى أحلامه؛ الشيء الوحيد الذي لم يكن بسيط ولا يمكن له أن يكون هو رحيله. ''محمد فرغلي''.. أحد الذين عرف الموت طريقه إليهم فور انطلاق صافرة المباراة على أرض الملعب، لتشهد مباراة من نوع أخر كان القتل غدراً الطرف الأقوى أمام قلة حيلة من شاء القدر أن تكون تلك الليلة هي الأخيرة لهم، وإن ستظل ذكراهم وأحلامهم عالقة في أذهان أسرهم والأصدقاء؛ إنه أحد شهداء '' مذبحة بورسعيد'' . ابن دمياط وتحديداً قرية ''البصارطة''؛ هكذا يمكن أن تعرفه، بها نشأ وتربى وسط أسرة بسيطة، كان فيها الابن الأكبر إلى جانب أخ وأخت يصغرانه في العمر، وعلى الرغم من أن ''محمد'' لم يكمل تعليمه فآخر ما حصل عليه هو ''الدبلوم'' إلا أنه كان ''حرفي'' يعمل ب''الموبيليا'' كحال كثير من أهل دمياط، يمكنك أن تعتبره وريث مهنة والده الذي يعمل أيضا بالمجال ذاته، والذي لم يكن رحيل محمد بالنسبة له شيء هين. ''مش قادر ارجع الورشة بيتهيأ لي أنه واقف جنبي وبيناديني، حاسس أيديا متربطين كده لكن الحمد لله ربنا يصلح الحال''.. قالها والد ''محمد'' معبراً عن حاله بعد مرور عام على وفاة ابنه، وإن لم تخل كلماته من الرضا بأن ''ده قضاء الله وقدره، واحنا راضيين به، أنا احتسبته عند الله''. ''العمل بالورشة أو مع واحد زميله أو ساعات يقتنصها للصيد''.. كانت حياة الشاب العشريني، لا يضاف إليها سوى حب كرة القدم والنادي الأهلي الذي انضم إلى فريق تشجيعه ''الأولتراس'' منذ ما يقرب من 8 سنوات . ''كان بيخلص الشغل ويروح هو وأصحابه يأجروا ملعب علشان يلعبوا الكورة''.. هكذا كان يمارس ''محمد'' بعض أوقاته بعض العمل، خاصة وأنه ''مش زي الشباب الطايش، ولا كان بيعقد على قهوة ولا حاجة كان في كده خجل وبيتحرج''. وككثير من الشباب لم يكن يحلم ''محمد'' بأكثر من عمل جيد والزواج، لكن الأيام مرت سريعاً قبل أن يتم مراسم التقدم لابنة عمه بالإسكندرية '' قبل وفاته بحاجة بسيطة كان في كلام على بنت عمه بس محصلش نصيب''.. ليرحل ''محمد'' دون إتمام ''الشبكة'' تاركاً ابنة عمه في حزن وصل كما قال الأب إلى '' حزنت أوي بقت متعقدة من الشباب اللي بيتقدموا لها بس الحمد لله''. وعن الليلة الأخيرة بحياة ''محمد'' والتي كانت المرة الأولى لذهابه إلى بورسعيد لتشجيع النادي الأهلي رغم اعتياده على السفر لأماكن كثيرة قال والده '' جيت من الشغل بليل وكنت بسمع الماتش في الراديو بالورشة، رنيت عليه لاقيته غير متاح لغاية 3 بليل كلمت أخوه قالي محمد مرجعش لسه كنت قلقان وقلبي أنا وأمه كان مقبوض حسيت إن في حاجة ''. وتابع الأب المكلوم '' راح أخوه وصحابه بورسعيد لا لقاه في المستشفيات بين اللي ماتوا ولا المصابين؛ اتقال لهم أن في ناس نزلوا على مصر''، ''أخويا محمد هنا في المشرحة''.. كلمات شقيق ''محمد'' التي تأكدت بها أسرته من وفاته في اليوم التالي. لم يبق على جسد ''محمد'' غير ملابسه الداخلية وبنطلونه فقط ''كل حاجة متاخده منه''، صورة لم يستطع الأب نسيانها عن ابنه الذي لفظ أنفاسه الأخيرة وفقا للتقرير الطبي نتيجة ضربة في المخ أدت إلى نزيف داخلي. وعن الحكم الصادر مؤخراً بشأن مقتل ابنه ضمن ''72'' آخرين قال الوالد '' اللهم لا شماتة لكن حق ولادنا لازم يرجع''، وإن كان تمنى أن '' يتحكم على بتوع الشرطة وعلى محافظ بورسعيد كمان لأنه كرئيس للبلد دي معرفش يحافظ على ولادها ومقدرش يحميهم'' . ولا يفقد والد ''محمد'' الأمل في الحكم الأخير يوم 9 مارس القادم في أن يتحقق ما يتنماه '' اللي نفسي اسمعه في 9 مارس اللي جاي الحكم على بتوع الأمن هم اللي وقفوا يتفرجوا وقتلوا ولادنا واللي يكون برئ يروح لأهله الواحد ما يرضاش لحد بحرقة القلب على ابنه''. وشعر والد ''محمد'' بالحزن الشديد تجاه الأحداث التي وقعت في بورسعيد فور صدور الحكم ''احنا اضايقنا طبعا؛ ليه اللي حصل ده وناس اتخدت في الرجلين لازم يبقى في وقفة مع الحق، يعني حرام الناس اللي ماتت دي الضابط اللي كان قدام المركز واللي كانوا معاه ايه ذنبه يموت كده مش حرام''، مؤكداً أنه على الرغم من ذلك ''أنا نفسي الرياضة والماتشات ترجع زي الأول''. ''يا سيادة الرئيس مرسي أول ما مسكت قولت دم الشهداء في رقبتي، لغاية دلوقتي بقالنا عشر أيام واكتر والدم لسه بيسيل''.. رسالة حرص والد ''محمد'' على توجيها للرئيس مؤكداً حزنه على ما يحدث ''بالبلد''. ولعل أكثر ما يضيق بصدر والد ''محمد'' ليس فقط وفاة ابنه الأكبر لكن أن '' الناس مش عارف حطت في دماغها أننا خدنا ملايين تعويض عن ولادنا، بيقولوا شهداء الأهلي خدوا عنهم كذا وكذا واحنا والله لا أخدنا أبيض ولا أسود، وكل اللي حصل طلعونا عمرة وإن شاء الله هطلع حج قريب، لكن ده من التبرعات اللي كانت بتيجي للنادي الاهلي من الناس''، وإن كان كل ذلك بالنسبة للأب ''ولا مال الدنيا يعوض بني آدم.. الناس مش حاسه بالمرارة والحزن اللي الواحد فيه''.