نارداران (اذربيجان) (رويترز) - يطل المشهد من مسجد قرية نارداران الكبير المصنوع من الحجر الرملي على شبه جزيرة أبشيرون وبحر قزوين مصدر ثروة أذربيجان. ويحدد الالتزام بالدين الاسلامي طبيعة الحياة في نارداران القرية الساحلية المتربة التي تحمل جدرانها نقوشا لايات قرانية والتي يمثل الدين فيها متنفسا لمشاكل اجتماعية في الجمهورية السوفيتية السابقة التي يحكم النظام قبضته عليها. لكن الدين هنا أسلوب حياة يحاول أن يبقى في ظل النظام العلماني للرئيس الهام علييف الذي يستمد قوته من مخزونات النفط والغاز الكبيرة في بحر قزوين. وقال الحاج اغا نورييف وهو من كبار السن في قرية نارداران ورئيس سابق للحزب الاسلامي المحظور في أذربيجان "انهم أغنياء. لكنهم خائفون." ومثل باقي دول الاتحاد السوفيتي السابق سواء ذات الاغلبية المسيحية أو المسلمة فان أذربيجان التي يسكنها تسعة ملايين شخص أغلبهم شيعة شهدت انتعاشة دينية محدودة منذ سقوط الشيوعية قبل نحو عشرين عاما. وزاد عدد المواظبين على الصلاة في اذربيجان الى نحو 10 في المئة من السكان وفقا للاحصاءات. لكن بالنسبة للغالبية فان الدين ليس محددا للهوية حيث ترتدي النساء في المنطقة الغنية بوسط العاصمة باكو تنورات قصيرة. لكن حكومة أذربيجان تعتزم السيطرة على النزعة الدينية نظرا لطبيعة دول الجوار المحيطة بها. فإلى غرب أذربيجان تقع تركيا التي يجب أن تستوعب الدولة العلمانية فيها تأثيرات دينية محافظة والى الجنوب تقع جمهورية ايران الاسلامية وإلى الشمال اقليم داغستان التابع لروسيا والذي يشهد حركة تمرد اسلامية معارضة لموسكو. وأحبطت باكو عدة محاولات من اسلاميين لتفجير قنابل في السنوات القليلة الماضية كانت تستهدف سفارات غربية ربطت بينها وبين ايران. ويبدو أن دبلوماسيين غربيين متعاطفون مع جهود علييف لاستئصال أي توجه نحو الاصولية في أذربيجان الدولة الموردة للطاقة والتي تمر عبر أراضيها امدادات للجيش الامريكي بأفغانستان. لكن جماعات معنية بالحقوق تقول ان الوسائل التي تستخدمها باكو في هذه الجهود عنيفة وتجيء في اطار تضييق الخناق على حرية التعبير التي يرى فيها النظام تحديا محتملا له. وبالنسبة للعديد من مسؤولي أذربيجان الذين نشأوا في مناخ علماني فإن ترسيخ الشخصية الاسلامية يتعارض مع رؤيتهم لتحديث بلادهم. وقال الجار ابراهيم اوغلو النشط في مجال حقوق الانسان وهو امام مسجد "يمكنك أن تشعر اليوم برهاب الاسلام بين المسؤولين لكن كل الامور تعود الى مشكلة نقص الحرية والحقوق والمشاكل العامة للديمقراطية." وهدم العام الماضي مسجدان قالت السلطات انهما شيدا بطريقة غير قانونية وأغلق مسجدان اخران على الاقل في باكو ومن بينهما مسجد أبو بكر الذي ظل المصلون يصلون فيه الى ان قصف عام 2008 مما أدى الى مقتل اثنين منهم. ونسب الهجوم الى راديكاليين في شمال القوقاز. وانتهت عملية اصلاح المسجد لكن أبوابه لاتزال مغلقة. وتنص اجراءات حكومية تنتقدها جماعات تنادي بالحرية الدينية على أنه يجب على كل الجماعات الدينية تسجيل أسمائها لدى (اللجنة الحكومية للعمل مع المنظمات الدينية) وأن تنسق معها التعاليم التي تدعو لها. وقال شيخ الاسلام الله شكور باشزاده رئيس اللجنة لرويترز " أسرة علييف توفر كل الاوضاع الضرورية لنمو الاسلام في أذربيجان." ودافع عن الاجراءات ضد مجموعات وصفها بأنها "تنتهك القانون." وسعت نارداران منذ زمن الى أن يكون للاسلام دور سياسي في أذربيجان لكن الدولة ترى يدا لايران في ذلك. ونشبت أعمال شغب بسبب مستويات المعيشة في القرية عام 2002 وقتل شخص في عملية للشرطة استمرت أياما كان هدفها استعادة النظام. ويقول سكان ان الشرطة لم تعد تدخل القرية. وسواء كان التصدي للنزعة الاسلامية في أذربيجان ناجما عن قلق حقيقي أو كان محاولة لخنق صوت جديد للمعارضة فان محللين يحذرون من أن اتخاذ الحكومة اجراءات صارمة للحد من هذه النزعة قد يأتي بنتائج عكسية. وقال ابراهيم اوغلو "الحد من الحقوق يجعل المؤمنين يبدأون في التفكير في قضايا اجتماعية أكثر خطورة مما سيؤدي الى جعلهم راديكاليون. "وهذه مشكلة كبيرة.. كبيرة جدا."