واشنطن (رويترز) - حين قامت هيلاري كلينتون بأول زيارة للخارج كوزيرة خارجية قالت صراحة ان الولاياتالمتحدة لا يسعها ان تسمح لقضايا حقوق الانسان باعتراض طريق التعاون مع الصين لمواجهة تحديات عالمية. والان بعد ان اضحى المعارض الصيني الضرير تشين قوانغ تشنغ تحت الحماية الامريكية في بكين حسب منظمة حقوقية مقرها الولاياتالمتحدة ستكتشف الاخيرة ما اذا كانت الصين لديها نفس الاعتبارات. يأتي هرب تشين من الاقامة الجبرية بمنزله التي استمرت 19 شهرا وطلبه الحماية الامريكية في وقت مربك للبلدين على ما يبدو اذ يقوم دبلوماسيون بالتحضير للمحادثات الاقتصادية والامنية السنوية في بكين الاسبوع الجاري ويتزامن مع محاولة الحزب الشيوعي الصيني احتواء الفضيحة السياسية التي تورط فيها المسؤول البارز السابق باو شي لاي. وبافتراض ان تشين موجود في السفارة يقول مسؤولون حاليون وسابقون انه من غير المتصور ان تسلمه الولاياتالمتحدة للسلطات الصينية رغما عن ارادته. وفي هذه الحالة أمام الصين خيار ان تدع الضرر يلحق بالعلاقات الاشمل في ظل مواجهة مع الولاياتالمتحدة او تسعى للتوصل لحل وسط ويرى محللون ودبلوماسيون حاليون وسابقون انه السيناريو المرجح ولكنه ليس مؤكدا باي حال من الاحوال. وقال مسؤول بارز في ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما طلب عدم نشر اسمه "لا اتصور ان يتخلوا عن العلاقات. (القضية) ليست مشابهة لحادثة طائرة التجسس او ميدان تيانانمين." ففي عام 2001 اضيرت العلاقات بين بكينوواشنطن جراء تصادم بين مقاتلة صينية وطائرة تجسس امريكية في الجو. اما واقعة ميدان تيانانمين في عام 1989 حين سحقت القوات الصينية احتجاجات مطالبة بالديمقراطية فقد كان لها تاثير سلبي أكبر على العلاقات مع واشنطن. وحتى يوم الاحد لم تؤكد الولاياتالمتحدة رسميا تقارير فرار تشين من الاقامة الجبرية بمنزله الريفي في قرية باقليم شاندونغ والاحتماء بالسفارة الامريكية. كما احجمت الصين عن التعليق المباشر على فرار المعارض من منزله الذي يخضع لرقابة لصيقة. ولكن منظمة تشاينا ايد ومقرها تكساس قالت انها "علمت من مصدر مقرب من وضع تشين قوانغ تشنغ انه تحت الحماية الامريكية وأن محادثات رفيعة المستوى تجري الان بين مسؤولين امريكيين وصينيين فيما يتعلق بوضع تشين." وتشكل الواقعة خلفية غير مستساغة لزيارة وزيرة الخارجية ووزير الخزانة لبكين للمشاركة في الحوار الاستراتيجي والاقتصادي يومي الخميس والجمعة. وتأتي تقارير فرار تشين بعد نحو ثلاثة أشهر من فرار المسؤول الصيني وانغ لي جون للقنصلية الامريكية في تشنغدو لفترة تجاوزت 24 ساعة لتتفجر فضيحة باو شي لاي التي هزت الحزب الشيوعي الصيني قبل بضعة أشهر من تسليم قيادة الحزب وهو حدث لا يتكرر الا مرة كل عقد من الزمان. ويقول كريس جونسون الذي كان ابرز محللي وكالة المخابرات المركزية للشؤون الصينية حتى وقت سابق من الشهر الحالي ان العلاقات الصينية الامريكية "تقترب من اعصار قوي" مستندا لقضية باو شي لاي وهروب تشين على ما يبدو وتقارير تفيد بان الولاياتالمتحدة تدرس بيع طائرات اف -16 جديدة لتايوان فضلا عن تحديث اسطولها الحالي. وقال جونسون المحلل بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية حاليا "بالنسبة لمن يتبنون نظرية المؤامرة في بكين فان كثيرين منهم سيرون ان مثل هذه الامور تكمل دائرة استراتيجية الاحتواء الامريكية الهادفة لتضييق الخناق على الصين ومنع بزوغ نجمها." وتتوقف كيفية سعي القيادة الصينية لحل المشكلة على تحقيق التوازن بين النعرة القومية ورغبة اكثر براجماتية في تفادي اي مشاكل قد تعرقل انتقال السلطة لقيادة جديدة للحزب الشيوعي في الخريف المقبل. وقال شي يين هونج استاذ العلاقات الدولية بجامعة رنمين في بكين المتخصصة في العلاقات الامريكية الصينية ان الكفة تميل حاليا لصالح حل سريع وهاديء. وأضاف "لا تريد الصين ان يكون لهذه القضية تأثير كبير لانه لن يفيد علاقاتها الخارجية أو سياساتها الداخلية" مضيفا ان ثمة امور كثيرة على المحك لاثناء البلدين عن الغاء اجتماعات الاسبوع الجاري. وتابع "لا اعتقد ان الولاياتالمتحدة ستستغل هذه البطاقة لاحراج الصين. لا زالت ترغب في تغيير موقف الصين بشان كوريا الشمالية وسوريا. تريد احتواء تأثير هذه القضية لانها تدرك انها مبعث حرج للصين بالفعل." ونجحت الولاياتالمتحدة والصين في معالجة قضايا شائكة في السابق. ففي أول ابريل نيسان 2001 قتل طيار صيني اثر تصادم في الجو بين طائرة تجسس تابعة للبحرية الامريكية ومقاتلة صينية على بعد نحو 70 ميلا قبالة سواحل جزيرة هاينان وهبطت الطائرة الامريكية اضطراريا في هاينان. واحتجز الطاقم الامريكي المؤلف من 24 شخصا حتى الحادي عشر من نفس الشهر ولم يطلق سراح افراده الا بعد ان بعثت الولاياتالمتحدة خطابا تبدي فيه اسفها لمقتل الطيار الصيني وتقر بان الطائرة دخلت المجال الجوي الصيني وهبطت دون اذن. وفي فبراير شباط 2009 قالت كلينتون ان الولاياتالمتحدة ستواصل الضغط على الصين بشأن تايوان والتبت وحقوق الانسان ولكنها اضافت "ضغطنا بشأن هذه القضايا ينبغي الا يتعارض مع الازمة المالية العالمية وازمة التغيرات المناخية والازمات الامنية." ورغم التلميح بان قضايا حقوق الانسان قد تأتي في مؤخرة الاهتمامات فان محللين يرون استحالة ان تضحي الولاياتالمتحدة بتشين لاعتبارات تتعلق بالمباديء والسياسة. وقال توم مالينوفسكي الذي كان ضمن فريق الرئيس الامريكي بيل كلينتون في البيت الابيض والمدير الحالي لمنظمة هيومن رايتس ووتش في واشنطن "من غير المتصور ان يسلموه ضد رغبته." وتابع "سيدرك معظم مسؤولي الادارة انه سيكون خطأ كبيرا. لا اعتقد ان عليك ان تخوص في الاعتبارات السياسية ولكن اذا تدخلت الاعتبارات السياسية فثمة مبرر اخر للرفض." فقد اتهم مرشح الرئاسة الجمهوري ميت رومني بالفعل اوباما بالضعف في التعامل مع الصين وسوف يشتد مثل هذا الهجوم اذا اعتقد ان الرئيس الديمقراطي يتخلى عن تشين. ورسم محللون ونشطاء حقوقيون تصورين لحل قضية تشين. السيناريو الاول الافراج عن تشين داخل الصين مع ضمانات بشأن سلامته وسلامة اسرته وربما من ساعدوه على الهروب. اما الثاني فهو نفيه رغم ما يقوله مقربون منه عن عزوفه عن مغادرة الصين. وقال كينيث ليبرثال مدير مركز جون.ال ثورتون الصين بمعهد بروكنجز في واشنطن "لن نرغمه على الخروج قبل ان تتولد لديه ثقة تامة بأنه لن يتضرر جراء افعاله ومن الصعب ان نثق بذلك اذا بقي في الصين." وتابع "لا يمكنك ان تعلم قط ماذا سوف يحدث هنا والاحتمالات ان يجري اصطحابه عاجلا وليس اجلا الى المطار مع تأكيدات بانه سيتمكن ان ركوب طائرة والمغادرة. "لن يعود للصين - على الارجح الى الابد - ولن يكون قريبا بكل تأكيد." (شارك في التغطية بول اكرت في واشنطن ومايكل مارتينا في بكين - اعداد هالة قنديل للنشرة العربية - تحرير محمد هميمي)