بدأت العمل في مهنة الصحافة عام 2003، أي قبل 17 عاماً من الآن، وقتها لم يكن الانترنت قد انتشر بهذا الشكل الرهيب، ولم يكن هناك فيسبوك أو تويتر أو لجان إلكترونية، كنا نعمل في الصحافة الورقية، نجري وراء الأخبار لكي نبحث عنها، وربما نصنعها بأنفسنا، كنا نسافر لكي نبحث عن خبر ونوثقه لأننا كنا على يقين بأن كلمتنا قد تهدم وقد تدمر، وقتها لم نكن نحصل على ما يكفي من المقابل المادي ولكن كانت الصحافة بجد هي مهنة البحث عن المتاعب. فجأة ومع الألفية الجديدة تغير الحال، وسيطرت مواقع السوشيال ميديا على الصورة كاملة، لدرجة أن الجمهور أهمل الصحافة والجهد الذي يبذله الصحفي لكي يجد المعلومة الصحيحة ويوثقها، وهو ما أفسد منظمة صناعة الخبر بأكملها، فكما أن الجمهور أصبح يستقي معلوماته وأخباره من السوشيال ميديا وصفحات الفيسبوك، فإن الفنانين أيضاً توقفوا عن التعامل مع الصحفيين واختاروا السوشيال ميديا ليعلنوا من خلالها عن أخبارهم وأعمالهم، وبالتالي أصبحت هذه الصفحات وهذا الجمهور وهذا العالم الافتراضي هو المحرك للأحداث، وهي الكارثة التي بدأ الجميع يجني ثمارها الآن. لن أتحدث عن وقائع كثيرة حدثت، وتسببت في قطع علاقات بين دول، وشائعات عن وفاة ومرض وطلاق بين أزواج ومشاجرات بين أصدقاء وربما جرائم قتل، وهي كلها وقائع معروفة للجميع وكانت صفحات السوشيال ميديا هي السبب فيها، ولكني سأتحدث فقط عما يجري للفنانة الكبيرة رجاء الجداوي والتي ترقد منذ أيام وبالتحديد فجر أول أيام عيد الفطر الماضي، ترقد مريضة في مستشفى الحجر الصحي بمحافظة الإسماعيلية، لإصابتها بفيروس كورونا.، وإلى هنا والأمر عادي فهناك شخصيات كثيرة سياسية ورياضية وفنية وثقافية قد أصيبت بهذا لمرض ليس في مصر وحدها، وإنما في دول العالم كله. الحديث عن مرض رجاء الجداوي وللأسف أخذ منحى غريب جداً، بعد أن تدخلت صفحات السوشيال ميديا، وامتلأت بالشائعات التي تتحدث عن تدهور حالتها الصحية مرة، ونقلها للعناية المركزة مرة، ووفاتها مرة أخرى، وللأسف مروجي ومطلقي هذه الشائعات لا يعرفون عن الإنسانية شيئاً، هم فقط يبحثون عن مزيداً من اللايك والشير، بغض النظر هل ما يكتبونه ويروجون له سيضر أناس آخرين أم لا، وهي الفضيلة التي تربينا عليها نحن أبناء مهنة الصحافة، وحرم منها لقطاء السوشيال ميديا، الذين لا يجدون عيباً في الإساءة لأحد أو تدمير سمعته أو إطلاق الشائعات على شخص مريض لا حول له ولا قوة، ليؤثر ذلك على حالته النفسية. وأذكر أن الفنان الراحل حسن حسني – رحمه الله – بعد أن خرجت العديد من هذه الشائعات التي تتحدث عن وفاته، خرج متأثراً ليقول في لقاء مع المذيعة بوسي شلبي: "مش عارف الناس ليه مستعجلين على موتي.. انا اكيد هموت بس لما ييجي ميعادي ووقتي ساعتها بس هسافر"، وهي كلمات قاتلة لمن يشعر ويحس، وإشارة لمن يطلق مقل هذه الشائعات بأن يتق الله ويحسب للكلمة التي يخرجها من فمه أو يكتبها على السوشيال ميديا ألف حساب، لأنها قد تدمر حياة إنسان وتودي به إلى النهاية. وفي النهاية.. ارحموا رجاء الجداوي وسيبوها في حالها