هل تعرف هذا اليوم الذى تتفق فيه كل الأشياء عليك لتظفر بك؟ انه يوم حظك .. نعم.. هذا ليس من باب السخرية .. فقليل من الشجن لا بأس به .. دمعتان تغسل الهموم المتبقية فى النفس أولاً بأول أفضل من أن يمرض الإنسان و هو لا يعلم أن السبب نفسيٌ .. يبدأ اليوم من النوم .. حتى أحلامك تتآمر عليك .. هذا ما حدث لها هذا اليوم .. تحلم بها .. تراها فجأة فى المدرسة فى الطابور فتصدم ..تجرى إليها صديقتها لتحتضنها .. لقد اشتاقت إليها فترفض بدورها إلا أن تفهم أولا .. ترى الجميع مبتسم .. و كأنهم كانوا مشاركون فى المزحة .. أنها اللعبة التى اتقنها الجميع لكى تعلم الصديقة مدى محبتها و "غلاوتها" فى قلب صديقتها .. و قبل أن يبدا الضرب و السباب و العناق و البكاء على تلك الدعابة السخيفة .. ينتهى الحلم .. يبدو ان المزاح الثقيل يلاحقها من صديقتها المتوفاه و عقلها الباطن .. لم تصل السخافة بشخص فى تلك الدنيا إلى تلك الدرجة حتى يفتعل الموت .. حتى أنتما تتحالفان علي؟ .. هذا الإحباط و خيبة الأمل (فى الحلم) لا يتناسبان مع جو الامتحانات .. لا زال الحلم مكتملاً و لكن بصفته حلم يقظة هذه المرة .. لا زال الضرب و رد الفعل العنيف مستمراً .. تأخذ فى مراجعة كل الأحاديث التى أجرتها أمس الحلم و كل الخواطر التى مرت بخلدها لتعلم من أين جاء لها هذا الحلم .. لماذا هذا اليوم بالتحديد .. هذا الحلم يزورها من حين إلى آخر و فى كل مرة تسأل نفسها و تقوم بمسح لجميع الأفكار و لكن دون جدوى .. ليس سوى قول فرعون "أضغاث أحلام" .. تفتح التلفاز ربما ترى مقطع من فيلم تحبه ينسيها شيئا من أمر هذا الحلم .. و لكن تأتى ماجدة الرومى لتكمل هذا الصورة المكتملة بالأساس .. حتى الفنانين و الشخصيات العامة يتحالفون على؟ ماذا فعلت بدنياى من ذنب حتى يؤانسنى هذا الطيف ؟ المشكلة الآن أنى أحب أنسه الذى يلهينى عن المذاكرة .. فالأمر الآن مثل أن يذاع فيلمك المفضل ليلة الامتحان و الذل الذى تشعره و أنت مضطر لإغلاق التليفزيون.. تفتح التليفزيون لترى الاغنية التى أعدتها الفنانة ماجدة الرومى لتأبين الفنان أحمد زكى .. لا تعلم إذا كانت تلك الأغنية معدة لهذا السبب أم أن الفيديو كليب هو المعد لهذا و لكن المجمل مؤثر للغاية بسبب تعبيرات أحمد زكى الصادقة و صوت ماجدة الرومى القادم من السماء .. كلمات الأغنية لا توحى بأن شخص مات و خصوصاً لو كان صديقاً، بل تبدو بالأحرى رومانسية.. بالإضافة إلى أن هناك أغنية لماجدة الرومى كانت المرحومة تغنيها بأسلوب مضحك للغاية .. لم تدع لها مساحة للبكاء من خفة ظلها .. الموضوع مفصل بالمللى .. تغلق التليفزيون زاهدة فى تلك المحاولة إيماناً منها بأن الخروج من تلك الحالة أفضل من المذاكرة بدون تركيز فى ظلها .. ترتدى ملابس الخروج و تمسك سلسلة مفاتيحها و تخرج .. تسكن فى برج عشرين طابق .. به مصعد كبير استحالة الحياة بدونه فمن لديه الصحة لصعود و هبوط 15 طابقاً ؟ .. لا تجد أحدا بداخله .. تنظر إلى سلسلة مفاتيحها فتدرك انها لم تفك منها الحرف الأول من اسم صديقتها .. لم تجرؤ على فعل ذلك و تركت الأمر للأقدار لتقوم بإفلات هذه القطعة .. و لكن رحمة الله فى الغالب تأتى من الجهة التى لا نتوقعها .. فمازالت القطعة موجودة و لكن لإعتياد عينيها عليها لم تعد تنتبه لوجودها .. ظلت غارقة فى افكارها حتى انها لم تنتبه لضغط زر التوقف فى المصعد كما اعتادت كلما اقترب المصعد من التوقف فى أى دور حذرا من أن يستقل المصعد معها شاب غريب كنوع من المحافظة .. تؤمن بأنك كلما اخذت احتياطاتها من حدوث شئ لا يحدث .. و كلما سهت عن تلك الاحتياطات بقصد أو بغير قصد حدث الشئ .. تؤمن بأن الأقدار دوما تراوغها و تحاول هى الأخرى عابثة مراوغة الأقدار.. و لكن .. من بامكانه؟؟ لكن لم تكن تلك هى أفكارها فى ذلك الوقت .. فهى لم تنتبه أصلاً إلى توقف المصعد و دخول شاب يبدو عليه مسحة من الوسامة و بعض من التفاهة القديمة.. فهو لم يساير العصر حتى فى تفاهاته.. تظل هى تعبث بهذا الحرف حتى يراه الشاب، فيصل به خياله المريض و نظرية المؤامرة التى يستخدمها المصريون فى حل الكلمات المتقاطعة فى محل العمل، إلى أن يظن ان ذلك نوع من المبادأة لتدفعه لتخمين اسمها .. فيقول بطريقة يستخدمها أطباء الأطفال فى ملاطفة مرضاهم الصغار و تهدئة خوفهم "اسمك سميرة ؟ ..حلو اوى الاسم ده" .. تتذكر هى تلك الكلمات التى كانت تلقتها بسبب هذا الحرف و لا تنتبه لأى مما يقول .. على سبيل المثال: "ايه الاس اللى فى الميدالية دى ؟ .. اس.. اسمى رضا .. اسمى رضا" .. تبتسم إثر تلك الذكرى .. فيتصور "فتى الاسانسير الأول" "إن السنارة غمزت" و إن تلك هى أول علامات الاستلطاف .. فيقول"سميرة صح؟ لأ شكلك مش سميرة .. ممكن سالى؟" .. تتذكر تلك السخافات التى يتفوق أصحابها فى سخافتهم عليها .. "يا ترى بقى اسمه شادى و لا سمير؟" فترد بدورها سرا أو علنا "هو انا يعنى بالبجاحة دى لما هعرف واحد هحط الحرف بتاعه فى الميداية؟" "بلاش سالى .. ساندى" .. تتذكر اليوم الذى قررت فيه هى و صديقتها شراء الحرف الاول من اسم كل منهما و وضعه فى سلسلة مفاتيح الأخرى .. و لا تنسى "الأمصة" الجادة التى استدعاها ضياع حرفها من ميدالية صديقتها و التى خفف منها و أعاد المياه لمجاريها أغنية "بكتب اسمك يا حبيبى" .. ربما هى الأقدار أيضا تلعب لعبتها فلا داعى لوجود حرفها فى ميدالية المرحومة بعد أن ماتت .. يضغط خاطر أنها ماتت على دموعها لتذرفها على الحرف - أو على المرحومة .. و لكن يبدو أن الأقدار مازالت تلعب لعبتها معها .. فلقد خرجت لتتوسل طيف صديقتها أن يتركها الآن للمذاكرة و يعود إليها فى العطلة ليذكرها هذا الحرف فى تلك الثوانى التى قضتها فى المصعد بكل تلك الذكريات.. "أياً كان اسمك يعنى .. هو أكيد حلو زيك" .. تقرر هى أن تتخلص من هذا الشبح بأن تفك هذا الحرف و تلقى به فى الطريق بمجرد أن تخرج و كأنه وقع بالصدفة .. و لكن لابد لها من أن تستغل الفرصة للدعاء لها و قراءة الفاتحة، لعل تلك الذكريات الجميلة الكئيبة تكون لها فائدة أو لعل روح المرحومة تحتاج إلى الدعاء و لذلك قررت أن تطاردها.. فشعرت بالخوف و قررت أن تدعو .. و هنا أدركت وجود الشاب، فقررت أن تدعو سراً ثم تقوم بفك الحرف و قد ذرفت عليه دمعة أخرى أثناء دعائها.. يلاحظ الشاب حركة غريبة تقوم بها .. يتوقف المصعد فى الدور الأرضى .. يفتح لها الشاب المصعد بحركة فروسية و ينحنى دون أن يلاحظ احمرار أنفها و امتلاء عينيها بالدموع و دون أن تلاحظ هى تلك المعاملة الخاصة .. تلقى بالحرف فيلتقته الشاب بدوره كما لو أنه هدية أو تذكار تخبره من خلاله أنها أعجبت به .. و لكنه لا يعلم لماذا وجد الحرف مبللاً عندما أمسك به؟؟؟