من الطبيعي أن يؤكد فريد الديب -باستمرار- سوء الحالة الصحية للرئيس السابق مبارك.. من منطلق أنها ضمانته الوحيدة والأخيرة التي تضمن له البقاء بعيدا عن سجن طرة.. بينما اللي مش طبيعي أن تسارع الحكومة، ممثلة في وزارة الصحة لنفي هذا الخبر.. من منطلق أنه إذا كانت الحالة الصحية لمبارك مستقرة.. إذن.. ليه ما شرفش لحد دلوقتي في «طرة»؟! هل مبارك -الرئيس الذي خلعته ثورة شعبية عجائبية غير مسبوقة في التاريخ- يرقد الآن في مستشفى شرم الشيخ، مصابا بالسكتة الدماغية وداخلا في حالة غيبوبة كاملة؟! هل دخل غرفة العناية المركزة متأثرا بتدهور حالته؟! هل زاره فريق طبي من ألمانيا في شرم الشيخ؟! هل حالته مستقرة كما أخبرنا البعض، أم أنها غير مستقرة كما أخبرنا البعض الآخر؟! هل يصح أن تأتي علامة الاستفهام في مثل تلك الأسئلة الطبيعية والعادية متبوعة بكل تلك العلامات من التعجب؟!! إذا كنا غير قادرين على إجابة مثل تلك الأسئلة البسيطة والسهلة وحسم تلك الأمور التي ينبغي أن تكون واضحة دون التباس.. إذا كنا لا نستطيع حسم مسألة مادية وملموسة مثل تلك، لا تستلزم سوى أن ينظر أحد ما -نثق فيه- في جناحه الخاص بالمستشفى ويجيبنا إجابة نهائية بعد توقيع الكشف الطبي عليه وإذاعة التقرير الطبي الكامل، مشفوعا بصورته في المكان الموجود فيه الآن بالظبط، على مرأى ومسمع من الشعب.. إذا كنا غير قادرين على تحديد الحالة الصحية للرئيس السابق وتحديد مدى تدهورها من عدمه.. ترى.. كيف سوف يمكننا تحديد مسؤوليته عن كل تلك الجرائم الكثيرة التي ارتكبها هو ونظامه في حق الشعب المصري على مدار 30 عاما سودا؟! ترى كيف سوف يمكننا حسم مسألة معقدة مثل إثبات مسؤوليته عن قتل المتظاهرين؟! إذا كنا غير قادرين على قطع الشك باليقين في مسألة يمكننا إثباتها بسهولة مثل هل هو في غيبوبة أم لا؟ ترى.. كيف سوف يمكننا قطع الشك باليقين في مسائل لا يمكننا إثباتها بسهولة مثل مدى مسؤوليته عن إفساد الحياة السياسية والاجتماعية، والاقتصادية في مصر؟ مدى مسؤوليته عن انهيار التعليم والصحة والزراعة والتجارة والأخلاق؟ مدى مسؤوليته عما وصل إليه بسطاء هذا الوطن من فقر وجهل ومرض جسدي ونفسي؟ هل يمتلك أحدكم صورة للرئيس السابق وهو ممسك بفأس يهدم بها التعليم على رؤوس أبنائنا وبناتنا؟ هل يمتلك أحدكم صورة له وهو يرش المبيدات المسرطنة على أرض زراعية لفلاح فقير؟ هل يمتلك أحدكم صورة له وهو يحرض بعض الموظفين على تقاضي رشوة لتخليص مصالح المواطنين الغلابة؟ هل يمتلك أحدكم صورة له وهو يجلس ليلا أمام خيمة البلد ينفخ في نيران الفتنة الطائفية ليزجيها أكثر وليستدفئ بها هو وعصابته، مستعينا بحرارتها على برد جليد قلبه وروحه القارس؟ هل يمتلك أحدكم صورة له وهو «يزنق» مصر في عنق الزجاجة الذي وعينا على الدنيا لنجد مصر محشورة بداخله؟ هل يمتلك أحدكم صورة له وهو يقوم بتحزيم مصر بحزام العشوائيات والظلم الاجتماعي الفادح الذي تعرض له كثيرون من بسطاء وفقراء هذا الوطن جراء ذلك التحزيم؟ هل يمتلك أحدكم صورة له وهو يملأ شوارع هذا الوطن الجميل بالزبالة والإحباط والاكتئاب والتعاسة؟ هل يمتلك أحدكم صورة له وهو يملأ استمارات الانتخابات المزورة ليحشرها بعد ذلك في فتحة الصندوق، خالقا بذلك تناصا غير مسبوق بين فعل الانتخابات وفعل تزغيط البط؟ هل يمتلك أحدكم صورة له وهو يجلس مع الولد الذي أخبرنا ذات مرة في أحد خطاباته أنه يعلم أن شرابه مقطوع؟ وهل يمتلك هو نفسه صورة للشراب؟ طبعا لا.. فإذا كنا لا نمتلك صورة له وهو يرقد على سريره بالمستشفى بعد تنحيته وإثبات فساده وصدور قرار حبسه والتحقيق معه.. كيف نمتلك أي صورة أخرى له وهو بيعمل أي حاجة تانية؟! عزيزي المجلس العسكري.. في تلك المرحلة الحرجة والجميلة (في آن) التي تمر بها مصرنا الجميلة.. إذا لم تستطع قطع الشك باليقين في مسائل بسيطة مثل تحديد هل مبارك في غيبوبة أم لا؟ وما طبيعة حالته الصحية بالظبط؟ وعرض صورته على الشعب حتى تطمئن نفسه وتهدأ روحه.. فلا ينبغي عليك أن تنزعج إذا ما قام الشعب بقطع اليقين بالشك في أدائك السياسي.. والفارق لو تعلمون عظيم بين قطع الشك باليقين وبين قطع اليقين.. بالشك!