خالد منتصر يكتب : ملوخية بالعفاريت

بعد أن كنا نسخر من فتاوى الدعاة السعوديين الوهابيين وغرائبها وعجائبها، من فتاوى تحريم البنطلون وبيع الزهور إلى تحريم دراسة الكيمياء وتكفير القائل بدوران الأرض - أصبحنا نحن المصريين هدفاً للسخرية من جرائد وفضائيات السعودية التى تتهم الدعاة المصريين بالتطرف!! يا لسخرية القدر!
جاء اليوم الذى يتهمنا الوهابيون فيه بالتشدد، لكن الحقيقة التى لا نستطيع إنكارها أو الهروب منها، أننا، الآن، نستاهل حقاً السخرية والتريقة على كم الفتاوى العجيبة والغريبة والمدهشة والمتشددة من الدعاة المصريين، ففى الوقت الذى استيقظ فيه مثقفو السعودية وهاجموا المُطوّعين وشجعوا الجامعة المختلطة، ندخل نحن الآن نفق الدولة الدينية بسرعة الضوء ونطلق فتاوى الإقصاء والتكفير والردة على كل من يستخدم عقله وحريته فى النقد والمعارضة.
سخرية الجرائد السعودية كانت من فتوى داعية مصرى اسمه محمد الزغبى، نشروها تحت اسم فتوى تحليل أكل لحم الجن!! ومن يشاهد الفتوى التى أطلقها الشيخ الزغبى على القناة الفضائية فسيعرف تفاصيلها العجيبة الغريبة، السؤال كان عن مدى جواز أكل لحم الإبل التى يسكنها الجن أو الشياطين، على حد تعبيره، قرر الشيخ الزغبى أن أكلها حلال، وأضاف أن الجاموسة التى بداخلها شيطان وذبحت دون أن نعلم أن بداخلها شيطاناً فلا تثريب علينا إن أكلنا لحمها!! فنحن لنا صحة المنقول ولايهمنا استحسان العقول!!.
دلالة الجملة الأخيرة هى المحك والمعيار والفيصل فى النقاش، كراهية العقل، النقل فوق العقل، السمع والطاعة فوق المنطق والتأمل، هى كده، واحفظها كده، وخدها كده، ولا تناقش، اوعى تقول لى فكر واعقلها فى دماغك، إنت اللى دماغك غلط، وبرغم أن الدماغ هى التى طورت وابتكرت وجعلت أمثال هذا الداعية يخرجون علينا من خلال فضائية هى اختراع غربى خالص، ومن خلال إنترنت هو اختراع غربى خالص، ويمسحون أدمغتنا ويزيفون وعينا من خلال أدوات ووسائل واختراعات غربية خالصة من بلاد الكفرة!
برغم كل ذلك فمادام قد قيل إن الإبل تسكنها الجن والشياطين ونقل ذلك بالتواتر، فلابد من إلغاء عقلك والاستعداد لتناول ملوخية بالعفاريت فهى حلال حلال!
بالرغم من أن فتاوانا الغريبة تستحق النقد القاسى من الغريب قبل القريب، فإن هذا الغريب لم يسأل نفسه قط كيف تحول الفكر المصرى مثل هذا التحول المخجل!،
وكيف سقط العقل المصرى فى هذا المستنقع! هذا العقل الذى قاد المنطقة كلها إلى منطقة التنوير والحداثة، إنها باختصار الوهابية السعودية، هذا الفكر الذى زرع فينا كراهية العقل والفلسفة والمنطق، الفكر الذى رسَّخ تحالف القمع السياسى والقهر الدينى، الفكر الذى منح التبرير والغطاء الفقهى لفساد السياسة، لماذا يندهش ويستغرب السعوديون من أن يُفرز هذا الفكر الذى تغلغل داخل مصر بالبترودولار، وبتزييف وعى المهاجرين تحت ضغط الحاجة، وربطهم بين الثراء النفطى والبركة والرضا الإلهى - عن سكان الجزيرة، الذين يعيشون فى ظل الدولة الدينية التى تطبق الشريعة لذلك هى غنية لا مشاكل بها!!
هكذا ربط كل من خرج فى إعارة أو عمرة بين هذا وذاك ربطاً أوتوماتيكياً ساذجاً.
يا من تسخرون من فتاوانا المصرية، أنتم من أوصلنا إلى هذه الكوميديا السوداء، من رضاعة الكبير حتى ملوخية الجن والعفاريت.