أخطر ما تواجهه مصر هذه الأيام هو حالة الاستقطاب المرعبة بين العلمانيين والإسلاميين ، مع اختلاف المشارب والتصنيفات وتفاوتها ، هذا الاستقطاب يستدرج الحكومة والمجلس العسكرى والدوائر السياسية والمثقفين ،وطوائف عدة من الخبراء والمحللين ، وكأن أحدهم يمكن أن يتحول ليوافق الأخر ، أو يمكن أن ينتصر عليه فيزجره أو يلغيه ،وهو طموح اقل ما يحدثه هو فتنة تأخذ البلاد إلى مصير مجهول. هذا الجدل وهذا السجال بين العلمانيين والإسلاميين ، جدل عقيم غير منتج ، ويتنافى مع المفاهيم الديمقراطية ، التي ينبغى أن تترسخ فى هذا المجتمع ، مفاهيم ترتبط بقبول الآخر ،والتعايش معه ، واستيعاب اختلافه معك ، لأنه ليس أنت ولن يكون أنت . هذا الجدل تصنعه أطراف لا ترغب فى نهضة هذا الوطن، ليشغلنا عن الموضوعات الحقيقية ، والأسئلة الحقيقية المطلوبة من أحزاب أسست للتو ، وتمكنت بالكاد أن تتم أعداد المؤسسين ، كيف لها أن تتولى بعد شهور قليلة مسئولية إدارة البلاد ، فى إطار مشروع ثورى طموح للنهضة .
فبدلا من أن تنشغل هذه الأحزاب بهذا الموضوع ،وهذه النهضة فإذا بها تتهرب جميعا من النقاش إلى نقاش آخر، حول الموقف من الدين والتدين ،وهو هروب اتهمه بطرفيه ،علمانيين وإسلاميين ليبراليين ويساريين إخوان وسلفيين ، أتهمهم جميعا بأنهم لا يملكون برامج حقيقية لإدارة البلاد على نحو تفصيلي دقيق ، ومن قبل خبراء حقيقيين من أهل الكفاءة لا من أهل الثقة .
نعم اتهمهم جميعا بان جدلهم المفتعل حول الموقف من الدين هو طريقة للهروب ، لكى لا تنكشف حقيقتهم ، فهم يملكون سوى مبادئ وأفكار ومنطلقات لكن أيا منهم لا يملك برامج تفصيلية لإدارة البلاد ، يستطيع أن يخرج بها على جماهير المصريين ليعلنها لهم لتكون موضع جدل ومناقشة ثم تصويت فى الانتخابات القادمة ليقارن الشعب بين البرامج المختلفة ويستمع الى حجج الخبراء من كل طرف فيثق فى هذا ويقبل هذا ويقتنع بذاك
لكنهم يلعبون علينا جميعا ، بافتعال جدل لا معنى له ،ولا جدوى له ، انه الجدل حول الموقف من الدين والتدين، لان أيا منهم لن يغير موقفه ، وعليهم جميعا أن يتعلموا التعايش المشترك مع ما يعتنقون وما يختلفون .
دعوني هنا اتهم النخبة السياسية كاملة بأنها بلا برامج وأنها تتكسب بالجدل الدائر الآن وتلهينا قبل الانتخابات لكي لا تنكشف أمام الجماهير بأنها للأسف الشديد لا تملك برامج لإدارة البلاد وعلينا أن نسألهم كل يوم حتى يوم الاقتراع أين برامجكم؟؟