أن اللعبة السياسية قد تكون لها أبعاد دولية أو إقليمية ومحلية، وفي الغالب فإن الخصائص الثلاث السابقة قد تشترك في مكوِّن اللعبة السياسية. وتحديد أيٍّ من الأبعاد الثلاثة السابقة داخل في اللعبة، يسمح لنا بتحديد من يتحكم في قواعد اللعبة. وهذه أخطر درجات الصراع السياسي وأهمها؛ حيث تتنافس الأطراف السياسية المختلفة الداخلة في الصراع - سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية - على وضع قواعده، وتحديد معالم الطاولة السياسية وأبعادها، وإنشاء دعائمها المختلفة. ولذلك في أعقاب سقوط النظم السياسية ونشوء نظام جديد، فإن القوى السياسية تتصارع لإعادة إرساء قواعد اللعبة الجديدة، وتشييد دعائم للطاولة. فبينما تحاول أطراف في الصراع السياسي إبقاء قواعد اللعبة القديمة التي تخدم أهدافها تعمل الأطراف الأخرى التي تضررت من قواعد اللعبة القديمة على أن تهدم القواعد التي أعاقتها عن تحقيق أهدافها قبل أن تشرع في تحقيق هذه الأهداف. هذه القواعد قد تكون قانونية، مثل: قانون دولي أو دستور محلي، وقد تكون متجاوزة الصيغة القانونية وَفْقاً لإرادة الطرف الأقوى في الصراع. وفي النهاية يحاول الطرف الأقوى في الصراع المحلي - مثلاً - فرض قواعده في اللعبة مراعياً قواعد تضعها الأطراف الأقوى منه (دولياً وإقليمياً) لحين تغيُّر موازين القوى الإقليمية والدولية، بينما يحاول الطرف الأضعف الالتزام بقواعد اللعب التي رسمها الطرف الأقوى، وفي الوقت نفسه يستكمل أدوات قوَّته ويغير بالتدريج قواعد اللعب لتكون في صالحه في نهاية المطاف. وفي مصر قبل الثورة كانت اللعبة السياسية صفرية بين النظام المصري المنهار وبين قوى المعارضة الإسلامية؛ بحيث لا يسمح بتشكيل أحزاب ذات مرجعية إسلامية، وتم منع أي من القوى الإسلامية من تحقيق أهدافها، ومع انهيار النظام في ثورة في 25 يناير انهارت معه قواعد اللعبة السياسية، وبدأت البلاد في مرحلة لتشكيل قواعد جديدة للعبة السياسية وحاولت الثورة صبغ سماتها في قواعد اللعبة السياسية في مصر، ومنها: القانون: ليصبح سيد الموقف في المجتمع المصري. الحرية: وفي مقدمتها الحرية السياسية. الدين: المنفتح على التيارات الفكرية الأخرى. ولكن الخارج كان له أيضاً إطلالته وتأثيره على المشهد السياسي المصري؛ سواء إقليمياً متمثلاً في إيران وإسرائيل والدول العربية أو دولياً، وبالذات الولاياتالمتحدة. لذلك حاولت القوة الرئيسية الداخلية متمثلة في الجيش المصري - التي كان لها الدور الأكبر في تمرير سيناريو الثورة وتغيير النظام بهذا الشكل الأقل دموية؛ مقارنة بنظيره في الدول المجاورة – وَضْع قواعد جديدة للعبة، مراعية العوامل الخارجية وفي الوقت نفسه عدم تجاوز دور الجماعات الإسلامية ذات النصيب الأكبر في ثبات الثورة، فظهرت اللعبة السياسية غير الصفرية التي تسمح بوجود أحزاب ذات مرجعية إسلامية؛ ولكنها في الوقت نفسه لا تستطيع النزول بثقلها الكامل لتفرض خياراتها على المجتمع بالطرق السياسية مع قدرتها على ذلك مراعاة للضغوط الخارجية. 1 2 › »