جاء اليوم الذي أصبح باستطاعة أي مصري أن يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية، وهذه حقيقة واضحة وضوح الشمس ولا ينكرها إلا جاحد.. ولا غضاضة عندي أن يتقدم للترشيح لرئاسة الجمهورية ألف أو ألفان أو ثلاثة.. ولكن أن يصبح المشهد مدعاةً للسخرية والاستهزاء بالمنصب فهذا لا يليق. منصب رئيس الجمهورية هو عنوان كرامة مصر.. لقد تحول المشهد إلى نوع من الهوس بمعنى أن الترشح للمنصب صار كالعدوى يخرج علينا كل يوم أشخاص يسحبون أوراق ترشيحهم، وربما بعضهم لا يشغلهم سوى كاميرات المصورين، وتردد اسمه على الألسنة مرشحًا للرئاسة.. وأظن لو طالت فترة سحب أوراق الترشيح لرأينا عجبًا، ولدخلنا موسوعة جينيس العالمية للأرقام القياسية. المهنة ربة منزل وعاوزة أترشح للرئاسة عشان أخدم ولاد بلدي، بس محتاجة حد من الثوار يقود حملتي الانتخابية لأني معرفش يعني إيه دعاية انتخابية؟!. المهنة مصور وسحبت أوراق الترشح للرئاسة عشان مصر محتاجة "دكر قادر"، وعشان أتمم حملتي الانتخابية كل إنسان مهمش هيتبرع لي بربع جنيه..!. فبين مرشح معترض جدا على عدم فوزه بالتغطية الإعلامية الكافية أثناء سحبه لأوراق الترشح، وآخر أثار ريبة رجال الأمن ليجدوا في جيبه عدة لفافات من البانجو، وثالث اكتشف فجأة أنه الإبن الشرعي للملك فاروق ويريد ارجاع الطربوش واليشمك وبالطبع الحكم الملكي، ومدرس لغة عربية وقرآن يعتبر مبارك أميرا للمؤمنين وينتوي أن يكون قرار العفو عنه أول قرار يوقع عليه بعد توليه منصب الرئاسة.. قام 797 مواطن مصري حتى الآن بسحب أوراق الترشح لرئاسة الجمهورية، ليبقى السؤال كم منهم على يقين تام بأنه قادر على قيادة وطن بحجم مصر أم الدنيا، وماهي دوافعهم الحقيقية لخوض هذه التجربة التي ظلت حكرا على اسم واحد على مدى 30 عاما سابقة. ربما يراها البعض فرصة للظهور الإعلامي ويعتبرها آخرون فرصة للبسطاء للتعبير عن آرائهم وأمنياتهم ، بينما تؤكد فرقة ثالثة أن نظام مبارك وأتباعه خلقوا بداخل كل منهم ماردا معترضا سنحت له أخيرا لحظة الخروج من القمقم. إذن ظاهر الأمر قد يبدو إيجابيًّا ولكن باطنه ليس كذلك. قد يقول قائل سيحدث فرز للمرشحين في المراحل الأولى وبعضهم لن يستطيع الحصول على توقيعات ثلاثين ألفًا من أفراد الشعب لتأييد ترشيحه. أقول كل ما أخشاه أن يتحول المشهد إلى مسرحية هزلية، ونخلط الجد بالهزل، ويكون عندنا في النهاية عدد كبير تضمهم ورقة الانتخاب، فماذا سيفعل عندها الناخب؟. هذه الحالة ستُحدث ارتباكًا عند عدد كبير من الناخبين البسطاء.. مع وجود عبء شديد في العملية الانتخابية.. لأنه سيقدم للناخب دفترًا يحوي عددًا من الصفحات تحوي أسماء المرشحين. قد يقول قائل: لو أننا صعبنا من إجراءات الترشح لما وصلنا إلى هذه الحالة.. هذا ما لا أريده.. ولكن كنت أتمنى أن يقوم الإعلام المسموع والمشاهد والمقروء بحملة توعية مخلصة لجماهير الأمة يبين فيها حقيقة منصب الرئاسة وتبعاته ومكانته.. والصفات التي يجب أن تتوافر فيمن يقدم نفسه لهذا المنصب. وإذا جاء الحديث عن الإعلام أشعر دائمًا بغصة في حلقي.. فأنا لا أفهم حتى هذه اللحظة لمصلحة مَن يعمل الإعلام في بلادنا.. وهل لهذا الإعلام أجندة خاصة غير مصلحة الوطن ورفع شأنه؟!!. أنا رجل ريفي نشأت في الريف، وعندما كانت تُجرى انتخابات عمدة القرية كان الناس البسطاء يعجبون من ترشح أناس لا يصلحون لهذا المنصب.. فقد كان المنصب في مستقر نفوسهم له هيبة واحترام وتقدير.. فما بالنا برئيس مصر.. مصر العظيمة الرائدة دار العرب وملتقاهم وبيتهم الكبير.. كم أود أن يصان هذا المنصب صيانة تقدير وإعزاز لبلادنا فلا يصل إليه إلا كريم. وعلى الجهات المعنية ضرورة المسارعة في التوصل لمصل فعال يحد من تفشي هذه الظاهرة وانتشارها، ويمنع انتقال عدوى الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.. قبل أن يترشح الشعب كله للمنصب وكل واحد ينتخب نفسه. هذا وهوس الترشيح للانتخابات الرئاسية، قبل ساعات من فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية المقرر رسميا غدا السبت، ومع ترقب الكثير ظهور الرئيس الذى ينقل البلاد لأول مرة منذ نصف قرن من الحكم العسكرى إلى الحكم المدنى. وظهر فى السباق مرشحون أصحاب مهارات وإمكانيات مختلفة، بل مهن مختلفة، ومنهم من هو بالفعل "ريس " حقيقى، ولكن على مجموعة كبيرة من الأنفار والعمال، فهو مقاول معمارى معروف فى منطقة بولاق الدكرور على بعد خطوات من جامعة القاهرة. فرغل أبو ضيف عطية حاصل على الشهادة الابتدائية منذ عام 1979، واحد من الذين أصابهم هوس الرئاسة، وبدأ فعليا فى التحرك للترشح، وهو الآن فى العقد الخامس من عمره، معروف بين أهالى المنطقة، والكل يناديه بالريس، خاصة وأنه كان رئيسا للجنة شعبية للدفاع عن الممتلكات العامة والخاصة بالمنطقة، وله آراء مختلفة تجاه العديد من القضايا فى مصر، على رأسها القضاء على الفقر والبطالة وتحسين أوضاع العشوائيات والمناطق المحرومة ويؤكد دائما أن هذا سبب رئيسى لترشحه للرئاسة. فرغل يؤكد أنه لن يتخلى عن ارتياد المقهى الخاص به حال فوزه برئاسة الجمهورية، وسيغير اسمه إلى "مقهى السيد الرئيس" ليجعلها مركزا لخدمة الفقراء والمهمشين، وسيرتدى الزى البلدى "الجلباب " بدعوى أن الرسل والصحابة كانوا يرتدونها. المرشح الذى لم يعرف بعد كيف سينفذ شروط ترشحه بجمع 30 ألف توكيل من 15 محافظة، وليس له علاقة بعدد 30 نائبا فى البرلمان لتزكيته، وليس خلفه حزب يدعمه، يقول إنه يشرفه العيش وسط الأحياء البسيطة والعشوائيات وسوف يمول حملته الانتخابية من جيبه الخاص، وسيتحمل كافة نفقاتها مهما كانت دون المساعدة من أحد وأهالى المنطقة يدعمونه بقوة، حسب قوله، لدعمه لهم وحماية ممتلكاتهم خلال أيام الثورة، من خلال اللجان الشعبية، التى كان يرأسها. يؤكد المعلم فرغل أن الحياة علمته الكثير دون الحاجة إلى تعليم ومؤهلات عليا أو متوسطة، وجعلته واعيا بكافة مشكلات مصر الحالية والتاريخية، مع العلم بأنه لا ينتمى لأى حزب سياسى أو حركة ثورية، إلا أنه متفائل بفوز الإسلاميين فى الانتخابات البرلمانية، وكذلك لم ينافق الثورة وأكد أنه لم يذهب إلى ميدان التحرير أيام الثورة، نظرا لدوره فى حماية الممتلكات العامة مثل محطة مترو جامعة القاهرة، مدينة المبعوثين مدينة الطالبات، مستشفى بولاق ومكتب البريد، قائلا: كنت قائد لجنة شعبية أمام الثورة، جمعت متعلقات خاصة بالسجل المدنى بعد حرق قسم بولاق الدكرور وسلمت الأسلحة التى وجدتها للجيش. يقوم البرنامج الانتخابى للمرشح فرغل بالأساس على عودة الأمن كاملا على مستوى الجمهورية، والاحتفاظ بحصة مصر فى مياه النيل، وتطوير العشوائيات، والقضاء على الفقر والبطالة باعتبارهما أكبر قنبلتين موقوتتين فى مصر، فلابد من وضعهما أمام بصر كل مسئول فى الدولة، ويؤكد دائما أن ذلك لن يحدث بين عشية وضحاها ولكنه يحتاج لبعض الوقت، إلى جانب خفض الأسعار لتكون فى متناول الجميع والاهتمام بالسياحة والمناطق الأثرية. الانفلات الرئاسي وهوس الإقبال على الترشح لمنصب الرئيس يشبه الانفلات الذى يحدث فى كل بقعة فى مصر، سواء انفلات أمنى أو إعلامي أو مجتمعي، فالرئاسة أصبحت مطمعا لكل أفراد المجتمع بتنوعهم الفئوي والمهني، ومن حق التربي والحلواني والكهربائي والسمكري ومتعاطي البانجو وصاحب الجلابية والشبشبة أن يتقدم للترشح طالما أن الدستور والقانون والقواعد المنظمة للترشح والانتخابات لا تمنع ذلك، بل تشجع كل أفراد الشعب المصري على الترشح حتى لو لم نجد يوم التصويت ناخبا واحدا لانتخاب رئيس الجمهورية، فالخوف أن يأتي موعد إغلاق باب الترشح وتبدأ رحلة البحث عن الناخبين. ماسورة الرئاسة التى انفجرت تحولت إلى مثار للتندر والسخرية لدى البعض ومثار للغضب والاستنكار لدى البعض الآخر، وربطها البعض بظاهرة «الاحتباس» الرئاسي فى مصر بعد أكثر من نصف قرن من استحواذ شخص واحد على المنصب ولا يتركه إلا بالموت أو بالاغتيال أو بالخلع. الظاهرة بالتأكيد تحتاج إلى دراسة وتحليل لأن الأمر يتعلق بمنصب رئيس دولة مصر ولا يمكن أن يتحول المنصب إلى مطمع لهواة الشهرة والمهرجين والعشوائيين لأنه يدخل فى باب الإهانة للمنصب، واللجنة الرئاسية التى حصنت نفسها من الطعون كان من الواجب عليها وضع ضوابط وشروط واضحة تحمى منصب الرئيس وتضمن جدية من يتقدم للترشح له، فالناس فى الشارع ترى ما يحدث الآن «مسخرة» و«تهريجا» قد يكون وراءه سيناريو محدد لتمرير مرشح معين من أرباب المعاشات فى النظام السابق!!.