أن العسكري خالف في إدارته للمرحلة الانتقالية كل الأعراف والمعايير الدولية واضعًا “البلد على فوهة بركان”. أن الإعلان الدستوري هو “نص ارتجالي” لإدارة مرحلة انتقالية رُغب بها “انتقال السلطات إلى العسكر” وبالتالي فإن الإبقاء عليه مع الوضع في الاعتبار إدخال تعديلات جوهرية عليه بشكل مستمر من قبل المجلس العسكري سيزيد من حالة التخبط والضبابية التي يعاني منها القائمون على إدارة شئون البلاد حاليًا. أن عدم معارضة البرلمان لتمرير المجلس العسكري لقانون انتخابات الرئاسة بدون عرضه على مجلس الشعب يعد دليلاً على انفراد المجلس العسكري بالسلطة لاسيما أن هذا القانون يمثل سابقة في تاريخ الحياة الدستورية المصرية حيث منح اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات الرئاسة صلاحيات لم تعط لها من قبل -حتى في ظل حكم النظام السابق- ولم يُجز الطعن على قرارات اللجنة بأي شكل وهو ما يتنافى مع الإعلان الدستوري نفسه والذي نص على الحق في التقاضي باعتباره حق طبيعي. أما فيما يتعلق باستدعاء دستور 1971 مع تعديل بعض مواده فقد اعتبره نصار مخالفًا للمبادئ التي قامت عليها ثورة يناير أن الأزمة ليست في كل نصوص الدستور فباب الحريات في دستور 1971 على سبيل المثال وهو من أكثر الأبواب انفتاحًا من حيث جودة النصوص ولكنه أقر في الوقت نفسه إحالة هذه النصوص لمُشرِّع “فاسد” حتى يقرها ويقننها وبالتالي أصبح من الصعب بمكان تطبيق هذه المواد على أرض الواقع احترامًا لمطالب الثورة على أن يتم كتابة الدستور من قِبل جمعية تأسيسية منتخبة من خارج البرلمان ضمانًا لعدم تحيز أعضاء اللجنة – البرلمانين- لمطالب وتصورات القوى التي يمثلونها. أن هناك أربع إشكاليات رئيسية -من واقع الدساتير السابقة- ستواجه واضعي الدستور القادم تتمثل في النص على مجموعة من القوانين المقيدة للحريات والعمل على إيجاد آليات تضمن استمرارها وعدم المساس بها إعطاء صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية بشكل خاص وللسلطة التنفيذية بوجه عام مما أفسد القائمين عليها بشكل واضح غياب الدور الرقابي للمجالس التشريعية وأخيرًا المركزية الشديدة التي تميز بها حكم النظام السابق. من هذا المنطلق اقترح عدة محاور رئيسية للخروج من مأزق وضع الدستور منها تبني الدستور القادم لإلغاء القوانين المقيدة للحريات وإطلاق حرية الإعلام تمسك الدستور القادم بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية بما يتماشى مع المصالح الوطنية تسهيل إجراءات إنشاء الأحزاب مع ضمانة عملها تحت رقابة القضاء الطبيعي وكذلك النقابات المهنية والعمالية ومنظمات المجتمع المدني. كما طالب الدستور الجديد بضمان معايير نزاهة العملية الانتخابية من خلال انتخاب هيئة دائمة تشكل قوام لجنة تنظيم الانتخابات وإلغاء نسبة تمثيل ال 50% للعمال والفلاحين في المجالس التشريعية والتأكيد على استقلال القضاء. ووحدته أن يتم وضع الدستور القادم بشكل يضمن نظام حكم مختلط (رئاسي – برلماني) حيث أنه النظام الأنسب وفقًا للظروف الحالية النص على انتخاب – وليس تعيين- نائب لرئيس الجمهورية وتحديد نسبة الخلط بين النظامين الرئاسي والبرلماني ب “20% رئاسي 80% برلماني” مع ضرورة تحديد سلطات رئيس الجمهورية. ومن المنطقي أن السلطة المؤسسة وما تضعه من دستور تأتى في وضع اعلي واسمي من السلطات المؤسسة وما يصدر عنها من قوانين أو قرارات أو حتى أحكام قضائية. كل سلطات الدولة الحديثة من تشريعية وتنفيذية وقضائية تخضع للدستور بحسبان أن الدستور هو سند وجود هذه السلطات جميعاً وهو مصدر شرعيتها فإذا كان ذلك كذلك فانه لا يتصور أن يصدر عن السلطات التشريعية قانون يخالف الدستور. وكذلك أيضا لا يجوز للسلطة التنفيذية أن تصدر قرارات مخالفة للدستور الذي هو سند وجود هذه السلطة وهو الذي أعطاها ما تمارسه من اختصاصات. كذلك السلطة القضائية مع الاختلاف بين طبيعتها وطبيعة السلطتين الأخريين بحسبانها سلطة غير منشئة فهي لا تشرع ولا تسن قوانين ولا تصدر قرارات وأنها هي تفصل في منازعات تثور بين الناس وبعضهم أو بين الناس وأجهزة الدولة أو حتى بين أجهزة الدولة نفسها. السلطة القضائية سلطة غير منشئة بهذا المعني وانما هي سلطة فصل في المنازعات وهي تفصل في هذه المنازعات علي ضوء أحكام القانون. وأحكام القانون بالمعني الواسع أو عبارة سيادة القانون بمعني اعم تغني حكم أو سيادة القانون . وعبارة حكم القانون أو سيادته the rule of law عني سيادة القاعدة القانونية بمعناها الشامل والذي يبدا من اعلي بالقاعدة الدستورية ثم تأتى القاعدة التشريعية ثم القرارات الإدارية لائحية أو فردية ولا يتصور أن يوجد مبدأ سيادة القانون كاملا إذا كان القضاء لا يستطيع أن يتصدى لقاعدة قانونية سواء صدرت عن سلطة التشريع أو عن سلطة التنفيذ لكي يعلن إنها مخالفة للدستور أو موافقة له. هذا هو المفهوم العام البسيط للشرعية الدستورية وهو مفهوم حديث نسبياً. ذلك أن فكرة الدستور نفسها باعتباره القانون الأساسي أو القانون الذي يسمو علي غيره من القوانين هي فكرة لا يتجاوز عمرها قرنين من الزمان إلا قليلاً. وقبل هذه المرحلة كانت الدولة تقوم أساساً علي حكم الفرد وعلي إرادة هذا الفرد الحاكم أو مجموعة الإفراد الحاكمين. كان معني الشرعية يرجع إلى إدارة الملك أو إرادة الأمير أو إرادة السلطان أو ما شئت من مسميات. كان كل ما يصدر عن هؤلاء يعد مشروعاً ما داموا يتمتعون بسدة الحكم وكانت إرادة الدولة آنذاك ترتبط بإرادتهم وتختلط بها " يزاوله استناداً إلى قاعدة قانونية. وانما كان يعتبر نفسه وكان يعتبر الناس هو " صاحب السلطة " وليس معبراً عنها أو ممثلا لها كما يقال الآن في ظل الشرعية الدستورية أو في ظل مبدأ سيادة القانون. ومن هنا كان صحيحاً من ناحية الواقع ومن ناحية القانون ما قاله لويس الرابع عشر ملك فرنسا " أن الدولة " “ I'ETATC'ENT MOI “ ذلك أن الدولة كانت تختلط بشخص الحاكم من كل ناحية ذمتها المالية هي ذمته المالية إرادتها هي إرادته كلمته هي القانون والقانون هو كلمته. ومن هنا جاز للويس الرابع عشر أن يقول " أنا الدولة " وكان هذا القول ليس من باب الفخر " والعنجهية " وانما كان تعبيراً عن حقائق العصر. 1 2 3 4 › »