منذ أن بدأ سعر الدولار يرتفع، بدأ القاصي والداني في بر مصر يتحدث عن الاقتصاد، حتي بائعة الفجل ربطت ثمن »الحزمة» بسعر الدولار الذي يرتفع ولا ينخفض أبدا، وبعد تعويم الجنيه، تحول كل المصريين إلي خبراء اكتواريين يضعون الحلول الجذرية للارتفاع الجنوني للدولار أمام الجنيه، وأخيرا يصدمنا مسئول حكومي حسب وصف جريدة الشروق بأن سعر الدولار يمكن أن يصل إلي 22 جنيها، مضيفا أن الحكومة أخبرت رجال الأعمال بذلك، وأنها طمأنتهم أنه سيعود إلي الانخفاض مرة أخري، دون أن يذكر إلي أي مدي سينخفض، وطبعا بعد هذا التصريح الذي نشرته الجريدة كموضوع رئيسي في الصفحة الثالثة سيقفز الدولار من حالة الثبات التي انتابته والتي تراوحت بين17.5 جنيه إلي 18 جنيها. ويذكرني ذلك بماحدث للدولار وقت أن كان سعره سبعة جنيهات، وصرح مصدر حكومي كبير أنه تم إعداد موازنة العام المالي 2016/2017 علي أن سعر الدولار ثمانية جنيهات، فقفز سعر الدولار في اليوم التالي إلي 8.5 جنيه، وأخذ في الارتفاع إلي أن اضطرت الحكومة إلي رفع سعره الرسمي من 7.5 إلي 8.88 جنيه، ووصل وقتها في السوق السوداء إلي 10 جنيهات، والباقي كل المصريين يعرفونه. إذن فالحكومة هي أحد أسباب ارتفاع سعر الدولار دون أن تدري، وليس السوق السوداء وحدها سبب الارتفاع. وإذا سألت أي مصري عن انخفاض سعر الجنيه، سيقول لك لأننا نستورد أكثر مما نصدر، وهذا كلام صحيح 100% ويزيد علي ذلك أي مسئول قائلا إن الفجوة بين صادراتنا ووارداتنا 400 مليار جنيه لصالح الواردات طبعا. ولهذا لجأت الحكومة إلي الاقتراض من صندوق النقد الدولي، الذي وافق علي منحنا قرضا 12 مليار دولار، استلمنا أول دفعة منها 2.5 مليار بما يعادل 43 مليار جنيه بسعر 17.5 جنيه للدولار - وفي محاولاتها لسد العجز والفجوة رفعت الحكومة الجمارك علي عشرات السلع مابين 40% و60% للحد من الاستيراد، وهذه السلع ما بين ماكياج وفواكه وآيس كريم، ولبس وأكل كلاب وقطط. وهذا من وجهة نظري لن يحل الأزمة، فالذين يشترون هذه السلع لديهم القدرة الشرائية للحصول عليها بأي سعر، ولذلك يحرص المستوردون علي شرائها لأنهم يعلمون تماما أن سلعهم لن تبور، ولكن الأزمة الحقيقية أننا ليس لدينا عملة صعبة لاستيراد الأدوية والسلع الأساسية، فكيف تفكر الحكومة مثل هذا التفكير؟ فكل دولار نستورد به »موز وماكياج وأكل قطط وكلاب»، يتم سحبه من رصيد دولاري نحتاجه للعلاج وأكل البشر.. وكان علي الحكومة أن تحظر استيراد هذه السلع من الأصل لتوفير العملة الصعبة، بل أزيد عليها توفير 1.4 مليار جنيه نستورد بها لؤلؤا وأحجارا كريمة وحليا، 13.3 مليار جنيه نستورد بها جلودا وفراءً ومصوغات، 1.757 مليار نستورد بها أحذية وأغطية رأس ومظلات وزهورا صناعية، 24 مليار جنيه منتجات غذائية ليست سلعا أساسية ومشروبات وتبغاً.. ولم أسمع عن زيادة الجمارك علي الخمور أو منعها. وكل هذه الأرقام رصدها الكتاب الإحصائي السنوي لعام 2016 الذي أعده الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. بالورقة والقلم يمكن توفير مليارات الدولارات بحظر استيراد سلع ترفيهية نستوردها ب 41 مليار جنيه، وعندما ينخفض الطلب علي الدولار سينخفض سعره، وسنقلل الفجوة بين الصادرات والواردات ونفتح مجالا أمام صناعات صغيرة وكبيرة علي أرض هذا البلد، وقد يدفع ذلك شركات كبيرة موردة للسوق المصري 92 مليون مستهلك أن تفتح مصانع لها في مصر لتعويض الخسائر التي قد تلحقها من جراء فقد هذا السوق الحيوي. رفع الجمارك رقص علي السلالم ولا مفر من الحظر، فنحن الآن في حالة حرب مع الدولار، إما أن نهزمه أو يقتلنا، ولابد من قرارات مصيرية حتي إذا ضحي 10 أو 20 »مستورد وتاجر تقيل» بعدة مليارات يربحونها خلال فترة الحظر، فهذا أفضل بكثير من التضحية بمصير شعب. الحكومة والشعب الفقير لا يبحثون عن اللؤلؤ ومستحضرات التجميل والزهور الصناعية والفراء والمصوغات والتبغ.. نحن نبحث عن الدواء ولقمة العيش والتعليم. آخر كلمة لايمكن أن تظل الحكومة تسير في المنطقة الرمادية.