في 17 يونيو 1930 تزلزل عرش الملك فؤاد الأول عندما صاح النائب الوفدي عباس محمود العقاد بصوته الجهوري تحت قبة مجلس النواب " إن هذا المجلس مستعد أن يسحق أكبر رأس في البلاد في سبيل صيانة الدستور وحمايته"، وفي نفس الجلسة قال العقاد " لقد كان فى مصر وزارة طاغية - يقصد وزارة محمود محمود باشا - وقد طلبت إلى صاحب الأمر إيقاف الحياة النيابية وتعطيل الدستور وحماية حكمها فأجيبت إلى طلبها، واليوم فى البلاد حكومة دستورية تطلب صيانة الدستور فتوضع فى طريقها العراقيل والعقبات والحشرات التى لا تعيش إلا من دماء الأمة، فماذا ننتظر بعد هذا؟ هل هناك شك فى أنه من الواجب أن يصان الدستور" ؟! بهذه الكلمات النارية اتهم "العقاد" الملك فؤاد بأخطر اتهام، لكن الحصانة البرلمانية منعت تقديمه للمحاكمة بتهمة العيب فى الذات الملكية، واصل " العقاد " هجومه على أعداء الدستور والحرية فى مقالاته النارية بصحيفة " المؤيد الجديد " وتم إحالته للتحقيق فى 21 أكتوبر، ثم اعتقل فى سجن مصر وعومل أسوأ معاملة إنسانية، وفى العاشر من ديسمبر 1930 بدأت محاكمتة وصاحب جريدة المؤيد الجديد، وترافع عنه سكرتير حزب الوفد مكرم عبيد باشا. قالت النيابة العمومية فى مرافعتها: إن العقاد اقترف جريمة العيب فى حق الذات الملكية الرفيع فأسند إليها أمورا ليست فيها فقط، إخلال بالواجب المفروض على كل فرد من الإجلال لهذه الذات السامية، بل إن هذه الأمور تجاوزت هذا الحد إلى إسناد أعمال لجلالته تؤذى شعوره وتظهره بمظهر المعتدى على حقوق الأمة، بدا أيضا فى اختيار لفظ الرجعية " عنوانا للمقام الجليل الذى لا يجرآن على ذكره بالتصريح - وهو مقام الملك المعظم - حيث جاء ذكره فى مناسبات وملابسات تاريخية وسياسية تصرفه حتما فى التفسير والتأويل إلى حضرة صاحب الجلالة الملك" وقال مكرم عبيد فى بداية مرافعته التاريخية : - " يا حضرات المستشارين: لقد سمعتم مرافعة النيابة، وتبينتم ما فيها من جهد، بل اجتهاد، فى التدليل والتخريج والتأويل، ولو أنكم تفضلتم فألقيتم نظرة واحدة إلى خارج المحكمة، حيث القوات "البوليس" تتوزع وتتجمع وأخرى إلى قفص الاتهام، حيث المتهم البرىء يتوجع، ونظرة ثالثة إلى موضع الاتهام ذاته، لاقتنعتم بأن القضية المعروضة على حضراتكم إن هى إلا مأساة ينفطر لها القلب، أكثر منها قضية ينسجم لها البيان، ذلك هو الوضع الصحيح للقضية، فهى مأساة أمة تمثلت فى مأساة فرد، ولكن النيابة رأت أن تتملص من الجوهر إلى المظهر، فرسمت لنا من تهمة باطلة صورة هى أشبه الصور بالحق، وإن لم تكن من الحق فى شئ، وفى ذلك خطر هو كل الخطر." ومضى يقول: - " الواقع أن هذه القضية التى تبدو فى الظاهر بين «النيابة والأستاذ العقاد» هى فى الحقيقة بين الرجعية والدستور، أو هى بالأحرى بين مبدأى التأخر والتقدم، أيا كان الشكل الذى قد يتخذه كل من هذين المبدأين أو الاسم الذى يتسمى به فى مختلف الأزمنة والظروف، وما العقاد إلا خصم للرجعية عنيد، انهال عليها بضربات قتالة رأت ألا قبل لها بها فاعتزمت أن تنكل به قبل أن ينكل بها، ولما لم تقو على مجابهته وجها لوجه فرت إلى السدة الملكية، تتعلق بركابها وتتمسح بأعتابها، ولم تستح أن تتخذ منها ستارا لعيوبها فأسندت العيب للذات الملكية، والعيب كل العيب منها".. فى جلسة الأربعاء 13 ديسمبر 1930 حكمت المحكمة حضوريا بحبس العقاد تسعة أشهر، وحبست صاحب الجريدة محمد فهمى الخضرى ستة أشهر، وقام على ماهر باشا وزير الحقانية فى وزارة صدقى باشا بزيارة العقاد فى سجنه، ورفض العقاد أن يرد على تحية الوزير، بل استقبله وهو مستلق فى سريره وقد مد رجليه وجعل حذاءه فى وجه الوزير!