كشفت أزمة قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب »جاستا» أن العلاقات العربية الأمريكية والسعودية الأمريكية تحديدا أصبحت عرضة لهزات قد تزلزل أركانها، وتضرب بثوابتها. واعتبر خبراء ومحللون سعوديون وعرب مقيمون في المملكة أن تشريع واشنطن لقانون يسمح بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخري يعني أنها تبنت بوضوح سياسة الفوضي الدولية ومواجهة دول حليفة لها وخلق تكتلات سياسية وصراعات إقليمية وقودها الأيديولوجيا والمساحات الجيوسياسية، كما تمثل تجاهلًا تامًا لميثاق منظمة الأممالمتحدة التي لها الحق في تبني قرارات أممية ملزمة لجميع دول العالم. والسؤال لماذا صدر هذا القانون الان بعد 15 عامًا من أحداث 11 من سبتمبر؟! إنه فقط لابتزاز السعودية تحديدا وبقية الدول العربية، إنهم يريدون استهداف السعودية لأنها تمثل رمزا إسلاميا وعربيا كبيرا كان صعبا عليهم في السابق النيل منه، خاصة بعد أن أصبحت تدير الحرب في اليمن ضد الحوثيين وتواجه المد الإيراني في المنطقة. ورأت مجلة فورين بوليسي أن إقرار قانون »جاستا» دليل علي أن العلاقة بين الولاياتالمتحدة والسعودية آخذة في التوتر والتراجع. واضافت انه قبل بضع سنوات، شكك البعض في التحالف السياسي المبرم منذ عقود بين الولاياتالمتحدة والسعودية، ولكن في خضم موسم الانتخابات الساخنة في امريكا أدت الحرب التي شنتها السعودية في اليمن إلي موجة من الاحتجاجات من قبل مشرعي الكونجرس الذين طالبوا بإعادة النظر في هذه العلاقة. وأضافت أنه في عهد إدارة أوباما، أبرمت واشنطن والرياض نحو 42 صفقة سلاح تزيد قيمتها علي 110 مليارات دولار، ومع ذلك، واجهت أحدث صفقة، والتي بلغت 1.15 مليار دولار، معارضة غير مسبوقة بسبب مخاوف من استخدامها في اليمن. وفي رسالة إلي البيت الأبيض طلب 64 عضوًا بمجلس النواب الرئيس أوباما بسحب صفقة الأسلحة الاخيرة وصوت 27 من أعضاء مجلس الشيوخ ضدها. اعتراض السعودية علي القانون لم يكن نتيجة مخاوف من احتمال تورطها أو تورط دبلوماسييها في أحداث 11 سبتمبر، فقد كشفت الصفحات ال28 السرية في تقرير لجنة أحداث 11 سبتمبر 2001، والتي دارت حولها تكهنات عن احتمال تورط المملكة في تلك الأحداث؛ عن براءة المملكة من هذه التهم وإنما يأتي قلق المملكة من تداعيات قانون »جاستا» أولا لما ينطوي عليه من اعتداء علي مفهوم سيادة الدول. وثانيًا لاحتمال سوء استخدام هذا القانون في امريكا وتوظيفه لتصفية حسابات سياسية ومالية بناء علي دعاوي ذات طابع لا يخلو من ابتزاز واستغلال. السعودية بطبيعة الحال ستمارس ضغوطها، وتختبر ما لديها من أوراق سياسية واقتصادية في مواجهة تفعيل هذا القانون، والبحث عن كافة البدائل الممكنة في حال حدوث تحولات كبري ضدها من جانب الادارة الامريكية الجديدة التي ستحل علي البيت الابيض يناير القادم. خاصة وان واشنطن تعلم جيدا قدرة المملكة علي اللعب بأوراقها، لاسيما في ظل قانون لا يعكس المصلحة الحقيقية لامريكا. فمن صفقات السلاح المرتقبة مع السعودية، إلي الاستثمارات المالية، إلي إمكانية سحب السندات من الخزانة الأمريكية. وكذلك التلويح بتقليص التعاون مع واشنطن في مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط؛ كلها أوراق يمكن أن تستخدمها السعودية في مواجهة أي تجاوزات كنتاج ل»جاستا». وفي رد فعل مؤثر علي المدي الطويل، وبدلا من الاستثمار في امريكا والدولار الامريكي، اعلنت مصادر سعودية انه يجري دراسة الاستثمار في اليوان الصيني وفك الاعتماد علي الدولار الامريكي تدريجيا بحيث يتم ربط الريال السعودي باليوان. أما علي الجانب السياسي، فإن السعودية تستطيع إقناع دول مجلس التعاون الخليجي بتجميد التعاون مع أمريكا في جميع المجالات بدءا من مكافحة الإرهاب وحتي التعاون الاقتصادي وعدم السماح لأمريكا باستخدام قواعدها العسكرية في المنطقة، كما أنه من المحتمل زيادة الهجمات الإرهابية بعد انسحاب السعودية والتي كان لها دور كبير في القضاء علي الإرهاب، كما سيكون هناك آثار سلبية علي مستوي الملف السوري واليمني.