في فيلم الرسوم المتحركة "دكتور سيوس هورتون هيرز آهو"، يتمكن الفيل الطيب "هورتون"، الذي يعيش في إحدي الغابات، من خلال قدرته الخارقة علي السمع، من اكتشاف وجود مدينة كاملة يعيش عليها عدد كبير من الناس علي ذرة صغيرة . عوالم مليئة بالتفاصيل قد تعيش فوق مساحات صغيرة للغاية، لكن فقط الأرواح الشفافة المرهفة هي القادرة علي استشفاف وجودها وتسجيل سماتها بدقة .. ولعل لوحات الفنان تيسير حامد هي واحدة من تلك المسطحات التي تحتشد بعوالم مليئة بالتفاصيل التي تحتاج لوقت كبير لتأملها وإدراك أبعادها .. لوحاته تكشف عن عوالم خفية تتضافر تحت طبقات السطح. وقد قدم الفنان من خلال معرضه الذي أقيم مؤخرا بقاعة الباب مجموعة جديدة من لوحاته التي جاءت غنية بتيماتها التراثية والحضارية فضلاً عن الأبعاد الفنية والفلسفية التي نقلت للمتلقي حالة شديدة الخصوصية ثرية في قيمها الجمالية وبنائها التشكيلي جعل من كل عمل وكأنه انعكاس لصور جمعية لذاكرة مصرية أصيلة ومتجذرة في نسيج التكوين الثقافي الشعبي والهوية. ويعلق د.خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية علي أعماله قائلا: يستشف الفنان تيسير حامد عالما ذي أعماق أصيلة بمجموعة من لوحاته ذات التكنيك المتأثر بالفن الشعبي.. برع خلالها في إخراج تكوينات تشكيلية تتضافر بها الكثير من الرموز والرسوم ذات الدلالات المتناغمة والمتكاملة كمعزوفة لونية شديدة الخصوصية، وليحمل كل مسطح مقطوعة عذبة من جماليات الشكل وعمق المضمون. مضيفا : يحلق بنا الفنان إلي فضاءات زاهية لونيا وذات انطباعات روحانية متصوفة خيالية ساحرة تدعو الروح إلي التحرر من الواقعية إلي مساحات أرقي وأرحب . وعن ذلك الزخم الذي تتميز به لوحاته يقول الفنان تيسير حامد: لكل لوحة مفتاح أتحرك من خلاله لأفكار قد تكون لحظية، عندما أكون علي مسطح اللوحة فإن الأفكار تتوالد، ففي إحدي اللوحات مثلا قررت أن يكون مفتاح اللوحة حي ضعيف البنية يتسم بالفقر ويتمثل في حارة ضيقة مظلمة ليس بها أي شيء سوي الأطلال، ولذا فإن أهلها يسكنون الظلمة، فكرت أن يكون النور هو محركهم ، فأول ما خرجوا صادفهم النور فبدءوا يتحركون من خلاله ليشاهدوا كل ما يقع النور عليه، والضوء هو الذي حركهم إلي كل تلك الملامح التي سجلتها اللوحة، فتارة فرعوني وتارة إسلامي وتارة حشد إنساني بكامل معانيه، كذلك فإن الحركة تتشبع بظلال وأشكال فتصبغ نفسها بألوان آخري. وبالرغم من إن كثيرا من اللوحات يحتشد بالتفاصيل كما لو كان الفنان اقترب بشدة من نسيج العالم، تبدو بعض الأعمال وكأنها التقطت من علي بعد حيث لجأ الفنان في عدد من الأعمال التي قدمها إلي منظور عين الطائر ليقدم رؤية شاملة يمتزج فيها لون الأخضر مع اللون البني القريب من روح الأرض، ويعلق الفنان قائلا: أحيانا أنظر للأمور من نظرة علوية وكأني طائر أحلق فوق الأشياء، لأنني إذا لم أعلو فلن أر الشيء كاملا. وبالفعل استخدمت هذا اللون البني الذي يقترب من روح الأرض ولون التربة. ولا شك أن تلك التراكمات الحضارية والثقافية التي تتضح في لوحات تيسير حامد ترجع لأكثر من سبب أولها كما يقول الفنان: منذ أن تخرجت من كلية فنون تطبيقية وأنا لا أتوقف عن التعرف علي كل الفنون ولا أتوقف عن الرسم، وقد تتلمذت علي يد عباقرة الفن ، كذلك فإن القراءات والثقافة ومدي الإطلاع علي مراحل فنية قديمة أو مستحدثة كلها توجد بمخزن داخلي تخرج في المنتج الفني. ومن الواضح كذلك أن للأدب تأثيرا كبيرا علي الفنان تيسير حيث يقول: أنا قارئ جيد لكثير من الأدباء، كذلك فإنني أميل لقراءات نجيب محفوظ، وستجدين كثيرا من أجواء رواياته متجسدا في لوحاتي ، فأنا أعتبر أعماله أصلا من أصول الإرث الثقافي المصري.. الفنان تيسير حامد من مواليد 1955، حاصل علي بكالوريوس فنون تطبيقية، وهوعضو بنقابة المهندسين وعضو بنقابة المصممين، وقد شارك في العديد من المعارض الفنية التشكيلية الفردية والجماعية في مصر والخارج، وكان قد فاز أيضا بجائزة دبي الثقافية في فرع الفنون التشكيلية.