مأساة "الملك لير" عمل مسرحي للعبقري وليام شكسبير »1564-1616» والتي كتبها حوالي 1605 لتكشف عن أكثر من تساؤل معظمه بلا إجابة.. إلا أن أكثر ما تكشف عنه المسرحية كيف أن عقوق الأبناء قد يعصف بعقول الآباء خاصة في شيخوختهم.. وقد عبر فنانون كثيرون برسمهم لوحات عبر العصور تعبر عن مشاهد من مسرحيات شكسبير.. ومنهم الفنان "الأمريكي بنجامين ويست" » 1738-1820 » الذي نري لوحته أمامنا وقد رسمها عام 1788 وفيها حاول أن يظهر "الملك لير" وسط عاصفة الطبيعة بعدما طردته ابنتاه من قصوره وأملاكه ليلتقي في مشهد واحد يمثل عصف عقوق الأبناء بعقله وعصف الطبيعة لجسده في رمزية لمدي قسوة الإطاحة بالعقل البشري الذي استطاعه الأبناء تجاه الآباء ولا تستطيعه الطبيعة بنفس القسوة البشرية مهما كانت قاسية مدمرة فهي لا تبلغ قسوة الإنسان.. اللوحة المرسومة بوحي الإبداع المكتوب تتيح الكشف عن أكثر من عمق للشخصية المرسومة وهي للملك لحظة جن جنونه بعد تلقيه معاملة ابنتيه القاسية.. ومأساة الملك العجوز البالغ من العمر الثمانين عاماً تبدأ حين يستقر رأيه علي تقسيم مملكته بين بناته الثلاث "جونريل" "ريجان" و"كورديليا" ويعقد جلسة في قصره طالبا ً من بناته أن يتبارين في التعبير عن حبهن له ليكون تقسيم مملكته علي قدر حبهن له وتتسابق الكبري "جونريل" والوسطي "ريجان" في نفاقه والمبالغة كذبا ًفي إظهار وتأكيد حبهما له للحصول علي أكبر نصيب من المملكة.. أما الثالثة "كورديليا" فتعبر بصدق من دون نفاق عن حبها وإجلالها له لأنه أبوها وكان هذا سببا كافيا لديها لتهبه كل الحب بلا حدود ودون شعارات أو نفاق.. فيجن جنون "لير" لأنها لم تزد في المبالغة في إظهار حبها له فيطردها من قصره وبذلك يضع نفسه في قبضة ابنتيه المنافقتين اللتين تطردانه علي التوالي من كل قصوره التي استوليتا عليها وأصبحت لهما.. ويبدأ" لير" رحلة تكشف عذابات نفسه ومواقف الآخرين بعد فوات الأوان وتبلغ ذروة المأساة حين يجد نفسه طريداً في العراء بلا مأوي في ليلة عاصفة رهيبة لا يصحبه إلا مهرجه وثلاثة من مُخلصيه.. وهذه هي اللحظة التي رسمها الفنان بنجامين ونراهم أمامنا.. وللمفارقة التي كشف عنها شكسبير بعبقريته وبعلمه بالنفس الإنسانية أن يصل "لير" في هذه الليلة العاصفة إلي ذروة الحكمة من خلال الجنون الذي عصف بعقله لعدم تقبل خيانة ابنتيه وسط سلسلة عذابات غروره السابق ليصل إلي حكمته متأخراً..ونراه في اللوحة بدا أشعث الشعر زائغ العينين وقد رفع عباءته في وجه العاصفة وباليد الأخري يشد قميصه عن صدره في وضع هائج بلا سيطرة علي نفسه إلا من اثنين من رجاله يحاولان إيقاف ثورة غضبه العارم..