وثأئق حرب أكتوبرأسرار العبور والثغرةأنتمي لجيل استيقظ على كابوس اسمه النكسة! فى طابور الصباح كنا نبدأ يومنا المدرسى بالاناشيد الوطنية التى كانت تملأ سماء العروبة من المحيط إلى الخليج، وفجأة تبدل الحال، بطلنا جمال عبدالناصر يخرج للملايين ليعلن حقيقة ما حدث فى 5 يونيو، ويتنحى عن القيادة، وتخرج الجماهير فى 9 و 01 يونيو رافضة الأمرين معاً: الهزيمة والتنحي. يبدأ المشوار باتجاه استعادة الأرض والكرامة والعرض بعد أيام قلائل بمعركة رأس العش، وتدمير ايلات، وذخائر المدفعية، وعبور الكوماندوز لاستهداف قوات العدو وعتاده، ثم تشتعل الجبهة بحرب الاستنزاف التى اعتبرها الصهاينة حرباً بكل معنى الكلمة، وكانت هى البروفة الچنرال للعبور العظيم بعد نحو ثلاث سنوات. رحل عبدالناصر عن عالمنا، بعد أن استطاع تغيير موازين القوى على الجبهة عندما أكمل بناء حائط الصواريخ، وتم بلورة ملامح معركة العبور بخطط تدربت عليها القوات، وكان الأهم تلك التمارين اليومية قرابة ثلاثة أعوام على القتال والدفع بتشكيلات للاشتباك مع العدو فوق الأرض التى احتلها. مرت الاعوام الستة وكأنها دهر على كل المصريين، ولكن كان لجيله النصيب الأصعب، إذ تفتحت مداركنا، ونضج وعينا، واحترقت مرحلتا الطفولة والصبا، لنصبح شباباً ورجالاً قبل الأوان، لكن رب ضارة نافعة. ومن الكابوس الذى اغتال براءة أحلامنا، إلى الحقيقة الناصعة التى سطرها أبطالنا يوم 6 أكتوبر، وكنا صياماً، لنسمع أجمل الكلمات فى العمر كله، كانت البيانات العسكرية الأولى بمثابة ميلاد جديد لكل مصري، بل لكل عربي، فقد ثأر الأبطال فمن تصوروا واهمين أن لا قيام للعرب، ولانصر لهم، ولو بعد عشرات السنين! نحقق الحلم الذى طال انتظاره، فقد كانت السنوات الست بين النكسة والعبور طويلة، طويلة.. اتخذ السادات القرار الجسور بالعبور.. شعب لم يعرف المستحيل، وجيش حذف الكلمة من قاموسه، فكانت الحرب التى مازالت تدرس فى كل المعاهد العسكرية بالعالم شرقه وغربه. لم تكن معجزة، لكنها الارادة والاصرار، والعمل الدءوب، والتلاحم بين الجبهة الداخلية والقوات المسلحة. وصدرت بعد الحرب، وحتى اليوم، مئات الكتب والدراسات.. بعضها كان لتصفية الحسابات أو التقليل من روعة ما حدث عند ظهر السادس من أكتوبر، وبعضها الآخر كان كتب مناسبات، وقسما لابأس به كان من قبيل حكايات ادعى فيها نفر من الناس أدواراً لم يؤدوها و.. و... لكن من بين كل هذه الكتب كانت هناك كتب لا شأن لمن ألفها إلا رصد الحقائق، وتقديم الروايات الدقيقة على لسان أبطالها، وتحليل المعارك، وتفنيد مزاعم العدو.. ويأتى كتاب وثائق حرب أكتوبر الذى قدمه موسى صبرى للمكتبة العربية فى هذا السياق، وليبقى بعد 04 عاماً أحد الكتب العمدة التى تناولت نصر أكتوبر العظيم. فى الذكرى الحادية والاربعين لتحطيم اسطورة الجيش الذى لايقهر يصدر هذا العدد من »كتاب اليوم« وبين دفتيه جانب من الوثائق العسكرية التى تضمنها كتاب استطاع مؤلفه بقربه من صاحب قرار العبور، أن يرى، ويسمح، ويسجل ويحلل، ليقدم فى النهاية مؤلفاً يعيش بعد الحدث، ورحيل مؤلفه عقوداً، ويظل قادراً على أن يقدم لاجيال وراء أجيال وثيقة تاريخية، وجوانب من قصة النصر، ومقدماته، وتوابعه. هنا يقدم كتاب اليوم فى ذكرى النصر بعضاً من الوثائق العسكرية تكشف ما صادف العبور من عقبات والملاحم التى خاضها أبطال مصر، وحقيقة الثغرة التى ضخمتها الآلة الدعائية الصهيونية والغربية، ومازالت تصورها على أنها أجهضت نصر أكتوبر، بل تسعى دون كلل لتصوير ما حدث ظهيرة السادس من أكتوبر على انه نصر اسرائيلى!! لكل ذلك كان من المهم والضرورى أن يكون إحياء الذكرى عبر التذكير بالحقائق من مصادرها الأصلية والموثقة، فكان هذا الكتاب، ربما يستعيد جيلى بعض أجمل ذكرياته، ويعرف جعل الأبناء ما غيبته الادعاءات والأكاذيب، ثم ان من حق جيل الاحفاد أن يجد بين يديه ما يحفظ له جزءاً غالياً من تاريخ الوطن.