يعتمد المحققون علي التفاصيل الواردة بشهادة الشهود للوقوف علي حقيقة وملابسات أي حادث أو واقعة لتوثق بازدواجها أو توافقها مع القرائن المادية الأخري. فانتباه الفنان عادل إمام بنهاية مساءلته كشاهد بمسرحيته الشهيرة لوجود عربة لوري مميزة بمقطورة كانت تقف أمام منزله ساعة وقوع الجريمة كان دليلاً دامغاً للتوصل لقاتل جارته. والاهتمام بالتفاصيل في حياتنا والتدقيق في ملاحظاتنا للمتغيرات والأحداث العابرة وحتي الشواهد الثابتة وسلوكيات المخلوقات وبخاصة البشر دون إفراط "إلا في حالة البحوث العلمية".. كثيراً ما فسر لنا العديد من الألغاز والطلاسم التي كنا سنتحير في فهمها لو لم نعمل العقل أو نهتم بالملاحظة. فتأفف قطة من أكل محتويات علبة تونة ألقيتها بعد فتحها بالمهملات لشكي في طعمها رغم صلاحية تاريخها جعلني التقطها مرة أخري لألاحظ بقايا تاريخ قديم آخر لإنتاجها بامتداده قد تم مسحه واستبداله بالجديد فنبهت صاحب المتجر وارجع ثمنها ومنع بيع الباقي. أما عدم قدرة الصغار علي وصف ما يعانونه من آلام مرضية فيضيف صعوبة أكبر ويتطلب تميزاً إضافياً في الملاحظة واحترافاً أكبر لأطباء الأطفال عن معالجي الكبار القادرين علي وصف معاناتهم وظروفها وأماكنها بدقة أفضل تساهم في تيسير تشخيص المرض إلا إذا كان نفسياً بالطبع. حتي في حالة وجود عطل بجهاز أو متطلبات لأعمال صيانة أو إصلاح أو سباكة بوحدة سكنية فإننا نجد المتمرسين وذوي الخبرة من القائمين بها يستمعون للمقيمين فيها جيداً قبل وأثناء القيام بالعمل فكثيراً ما يسر ذلك الوصول للب المشكلة أو يسر من حلها. ولا يقتصر الاهتمام بالملاحظة والتدقيق في التفاصيل علي الوقائع المادية فحسب بل يمتد للسلوك أيضاً. ودون إفراط قد يحولها لأعمال تعقب وتجسس مكروهة. أو تولد شكاً كاذباً قد يؤدي لما نراه من جرائم ترجع للشك أو لوسوسة زائدة تتحول لمرض نفسي يطيح بصاحبه أو ينغص الحياة علي أسرته كطبيعة أعمال البعض في التتبع أو التحقيق أو الاستخبارات لو انعكست علي أسرة مزاولها. وأهمية الملاحظة جعلتهم يطلقون لفظها علي رئيس أو مدير مجموعة العمل والذي يجب فوق تميزه بها أن يستمع لمرءوسيه بالقدر المناسب للإفادة والتعرف علي المشاكل. بل وحتي ملاحظة السكوت الذي يفضله البعض لأن به معاني أخري قد تكون أهم. فهل سندقق في سائق الميكروباص والتوك توك قبل ركوبه؟. وهل سننمي تلك الملكة أو هذه القدرات في عقول الصغار. ونجعلها عنصراً أساسياً في تعليمهم؟.