وصف المستشرق الإسكتلندي وليم موير. دولة المماليك في مصر بأنها بلا نظير في تاريخ العالم. وربما نظر هذا المستشرق إلي المماليك علي أنهم طبقة من الأرقاء تم شراؤهم بأموال المصريين لينتهي بهم المطاف إلي حكم بلد غني مثل مصر.. لكن كلام موير وغيره من المستشرقين لا يمكن أن يكون منصفاً. ولا يجوز الاعتداد به. فهم يكتبون انطلاقاً من رؤي عقائدية وحضارية تختلف عن رؤانا ومصالحنا.. ولا شك أن المستشرقين يتحاملون علي المماليك لأنهم طردوا الصليبيين من الأراضي العربية. وإن جاز لي الاستطراد للتدليل علي تحيز وعدم موضوعية هؤلاء المستشرقين. فإنني أعيد إلي ذاكرة القارئ موقفهم من الحلاج. فقد أشادوا به لمجرد أنه خالف عقيدة المسلمين بإعلانه إيمانه بحلول اللَّه في البشر. وربما أتناول قضية الحلاج في مقالة منفصلة. أعود إلي المماليك فأؤكد أنهم حافظوا علي مصر ووحدة أراضيها من الاحتلال العسكري سواء من المغول أو الصليبيين. ومن المؤسف حقاً ما أحيط به تاريخ المماليك من تشويه وافتراء. فقد وقفت علي آراء متناقضة. بعضها يمدح. و الآخر يذم.. وهذا بالطبع لا ينفي أن المماليك كانوا محاربين أبطالاً. ويكفيهم فخراً أنهم أوقفوا زحف التتار علي مصر والشام والحجاز في معركة عين جالوت. ونحن نعرف أن المغول استولوا علي بغداد عام 1258 ثم علي سائر بلاد الشام.. وفي عام 1260 وجه هولاكو إنذاره إلي سيف الدين قطز. فعقد اجتماعاً مع أمراء دولته. انتهي به إلي رفض الإنذار. ولم يكتف بذلك. بل أقدم علي قتل رسله الذين حملوا الإنذار. واستقر رأي المماليك علي مقاومة المغول. ووضع قطز والظاهر بيبرس خطة عسكرية محكمة نجحوا من خلالها في هزيمة المغول. وإسقاط أسطورتهم. وعلي الرغم من وصف البعض لعصر المماليك بأنه عصر تقهقر فكري. وخالي من الإبداع حتي إن بعض المستشرقين قصر الإنتاج العلمي فيه علي كتاب واحد وعالم واحد هو المقدمة لابن خلدون. إلا أن هذا العصر ظهرت فيه كتب مهمة مازالت معتمدة حتي اليوم مثل "القواعد الكبري" ل"عبدالعزيز بن عبدالسلام" و"لسان العرب" ل"ابن منظور" وكتب "ابن القيم الجوزية" وشهد ذلك العصر إبداع طريقة كتابة المكفوفين "برايل" وغيرها من الكتب والإنتاج العلمي والفكري. وازداد عدد العلماء في مصر بعد هجرتهم من الدول التي اجتاحها المغول. واستقروا في مصر. وأنشأ المماليك نظاماً إدارياً محكماً.. وبرز في عصر المماليك أسماء علماء عظام مثل "الإمام جلال الدين السيوطي" و"ابن بطوطة وابن النفيس" والبحارة "ابن ماجد". وقد ظهرت نماذج رائعة للفنون في عصر المماليك. ومثالها "وكالة الغوري" ومدرسة "السلطان حسن" ومدرسة "الناصر قلاوون" ووكالة "قايتباي" ولا ينبغي أن ننسي قلعة قايتباي بالإسكندرية. وتقول الدكتورة ريم بسيوني في روايتها التاريخية "أولاد الناس" إن مسجد السلطان حسن بناه مهندس هو ابن أحد أمراء المماليك من زوجته المصرية "زينب" التي تزوجها عُنْوَة. من ناحية أخري يقول البعض إن عصر المماليك كان عصر اضطرابات وفتن وحروب. فقد أهمل المماليك قطاعي الزراعة والصناعة. مما أدي لتعرض مصر للعديد من المجاعات. تجاوزت ال22 مجاعة. ناهيك عن الأوبئة والجفاف والفيضانات.. كما أنهكت دولة المماليك نفسها في دوامة الصراع علي السلطة. حيث قام النظام المملوكي علي نظام ملكي فريد من نوعه. يتم بموجبه انتقال السلطة من ملك إلي آخر بناءً علي قاعدة "الْمُلْكُ لِمَن غَلَب".. وأدي ذلك إلي سقوطها في نهاية المطاف.