رغم أن إيطاليا تدعم طرفاً أساسياً في ليبيا هو السراج وحكومته المدعومة من جانب الإخوان.. ورغم أن إيطاليا كذلك ليست متحمسة بالقدر الكافي لإجراء الانتخابات في ليبيا خلال الربيع المقبل.. ورغم الخلافات بينها وبين فرنسا حول تسوية الأزمة الليبية.. ورغم أيضاً عدم حماس إيطاليا لتوحيد الجيش الليبي وعدم دمج الميليشيات المسلحة التي مارست ومازالت عنفاً داخل ليبيا. وعلي رأسها ميليشيات الإخوان وحلفائهم في ليبيا.. وكذلك رغم مشاركة كل من تركياوقطر في اجتماع باليرمو الذي دعت إليه إيطاليا لبحث الأزمة الليبية وإيجاد حل لها. وهما يدعمان بعض ميليشيات ليبيا ويعللون إجراء انتخابات فيها.. رغم ذلك كله فقد شارك الرئيس السيسي بنفسه في اجتماعات باليرمو. ولم يشأ الرئيس السيسي أن يعهد إلي وزير الخارجية برئاسة الوفد المصري في باليرمو أو أي مبعوث شخصي آخر له. وقد كان ذلك أمراً موفقاً.. فهو من جانب عكس وبعث برسالة لكل الأطراف المنغمسة في المسألة الليبية. دولية كانت أم إقليمية بأن مصر تعتبر ليبيا شأناً يمس أمنها القومي. وأنها سوف تعمل بكل قوة واهتمام علي حماية أمنها القومي الذي يهدده وجود ميليشيات مسلحة تسيطر علي مساحات من الأراضي الليبية. تقدم دعماً لتنظيمات إرهابية مازالت تحاول اختراق الحدود المصرية لتنفيذ عمليات إرهابية داخل الأراضي المصرية.. كما أن مصر سوف تتصدي لتقسيم ليبيا ومحاولة بعض الأطراف الإقليمية للعبث في الملف الليبي من خلال مساندة الإخوان وحلفائهم فيها. الذين يهددون وحدة الأراضي الليبية ويعطلون إقرار السلام والاستقرار فيها. ويعملون لخدمة مخططات خارجية غير ليبية. ليبيا ليست بالنسبة لمصر مجرد جارة فقط أو بلد عربي شقيق عاني ومازال كثيراً علي مدي السنوات السبع السابقة ويحتاج شعبه لأن ينعم بالسلام والاستقرار السياسي والأمني فقط.. ولكنها بالنسبة لمصر قضية تهم وتمس الأمن القومي المصري أساساً. في ظل استخدام أراضيها نقطة انطلاق للجماعات والتنظيمات الإرهابية لتهديدنا والتآمر علينا ودعم ومساندة الإرهاب الذي نخوض حرباً ضارية وشرسة معه منذ سنوات وسقط لنا شهداء ومصابون فيها نعتز بهم ولن ننساهم أو ننسي تضحياتهم.. ولذلك جاءت مشاركة مصر علي مستوي القمة في مؤتمر باليرمو الذي دعت إليه إيطاليا والقمة المصغرة التي عقدت علي هامشه. ومن جانب آخر فإن مشاركة مصر في مؤتمر باليرمو وعلي هذا المستوي الرفيع ساعد في توجيه مناقشات المشاركين بخصوص المشكلة الليبية والحلول المطروحة من قبل الأطراف الدولية والإقليمية لها إلي الوجهة الصحيحة.. أي إلي الطريق الذي يحافظ علي وحدة الأراضي الليبية ويحافظ لها علي دولة موحدة لها جيش واحد. ولا يسمح بجانبه ومعه بوجود ميليشيات مسلحة تابعة لبعض القوي والجماعات ومدعومة من بعض الدول. مثلما هو الحال حالياً.. ويضمن أيضاً إجراء انتخابات برلمانية بدون إبطاء أو تأجيل لاختيار من يمثلون الشعب الليبي. حتي ينتهي هذا الانقسام الذي تحاول بعض القوي وبعض الدول فرضه علي الليبيين. وهذا ما يمكن استخلاصه من أولاً مجريات الأمور في مؤتمر باليرمو. وثانياً في نتائجه المعلنة والتي سجلها البيان الصادر عنه.. فما جري في باليرمو يكشف أن ما تتبناه مصر بالنسبة لليبيا لاقي قبولاً واسعاً بين المشاركين. بما فيها إيطاليا التي دعت إلي عقد هذا المؤتمر. ومن أطراف أخري عديدة.. وهنا يمكننا أن نفسر بعض ما حدث في المؤتمر مثل انسحاب تركيا التي تدعم إخوان ليبيا. والتي احتج المشير خليفة حفتر علي مشاركتها هي وقطر في المؤتمر. وهو ما أثار ضيق إيطاليا بالطبع.. وأيضاً مثل عدم دعوة وزير خارجية قطر للقمة المصغرة التي جرت في باليرمو بخصوص ليبيا أيضاً. وحالة شبه العزلة التي عاني منها من كثير من المشاركين في المؤتمر. أما بيان مؤتمر باليرمو فقد سجل تقريباً ما تطالب به مصر وتتبناه بخصوص الملف الليبي.. فهو أيد دعوة المبعوث الدولي لليبيا لجمع الليبيين في لقاء قريب للتوافق علي إجراء انتخابات برلمانية تتم في الربيع المقبل. وبدون إبطاء أو تعطيل أو مماطلة من جانب إخوان ليبيا وحلفائهم الآن.. وأقر بوحدة ليبيا ووحدة جيشها. وهو ما يعني بالضرورة إنهاء وتصفية الميليشيات المسلحة التي تسيطر الآن علي مساحات من أراضي ليبيا في الغرب. ومنها العاصمة طرابلس. وهكذا جاءت نتائج المؤتمر في ذات الاتجاه الذي تسعي مصر لدفع الأمور صوبه بنصوص الأزمة الليبية.. وبالتأكيد فإن مشاركة الرئيس السيسي شخصياً في هذا المؤتمر ساعدت علي تحقيق ذلك. في ظل موقف فرنسي يشاركنا في ذلك وموقف روسي يتفهم ويدعم الرؤي المصرية بخصوص الملف الليبي.. وفي ذات الوقت فإن مشاركة الرئيس السيسي بنفسه استجابة لطلب رئيس الوزراء الإيطالي بعد الاتصال التليفوني بينهما تسهم في تقوية العلاقات المصرية الإيطالية التي كانت موضع استهداف من بعض القوي والدول خلال السنوات الماضية. خاصة بعد أن بدأت واحدة من الشركات الإيطالية الكبيرة في مجال البحث عن النفط تعمل بجد واجتهاد في مصر للبحث عن الغاز ووفقاً في ذلك. وأسهم عملها في تحول مصر من دولة تعتمد في توفير احتياجاتها من الغاز علي الخارج إلي دولة تعتمد في ذلك علي إنتاجها الذي زاد كثيراً بما ينتجه حقل ظهر. أي أن مشاركة الرئيس السيسي بنفسه في مؤتمر باليرمو حققت نتائج مزدوجة.. من جانب أسهمت في تكريس العلاقات الطيبة بين مصر وإيطاليا التي نحرص عليها. وبالتالي فوتت الفرصة علي من حاولوا ومازالوا يحاولون تعكير صفو هذه العلاقة.. ومن جانب آخر ساعدت علي توجيه النقاشات داخل مؤتمر باليرمو بخصوص المشكلة الليبية في الاتجاه الصحيح والسليم الذي تتبناه مصر والذي يضمن للأشقاء في ليبيا دولة وطنية واحدة موحدة غير منقسمة. خالية من الميليشيات المسلحة التي تتنازع السيطرة الآن علي أراضيها وتعطل إعادة بناء اقتصادها وتحقيق التنمية فيها.. وجعلت القوي والدول التي تتآمر علي ليبيا الآن وتسعي لإغرائها في عنف مستمر لا يتوقف إما تنعزل أو تنسحب. مثلما حدث لكل من قطروتركيا في باليرمو.. فإن وجود أعلي قيادة مصرية منح ما طرحته خلال المؤتمر قوة أكبر. وفي ذات الوقت جعل بقية الأطراف المشاركة تدرك مدي تمسك مصر بموقفها تجاه المشكلة الليبية. وأن هذا الموقف غير قابل للمراجعة أو التغيير بالعودة إلي مستوي قيادة أكبر بعد أن أوضح هو ذاته هذا الموقف. وهكذا تحتاج إدارة السياسة الخارجية للمواجهة الصريحة التي تتبناها مصر ليس فقط في المسائل والأمور ذات الأهمية الخاصة لها. وإنما في كل الأمور.. ولعل ذلك هو الطابع الأساسي لعملية إدارة السياسة الخارجية المصرية. في ظل حالة الاحتراب السياسي والاقتصادي التي يعيشها العالم الآن. والصراعات العديدة التي تسعي قوي إقليمية ودولية لتأكيدها وزيادة مدتها بدلاً من احتوائها وإطفاء نيرانها والبحث عن حلول سلمية وسياسية لها. وأيضاً في ظل إرهاب يهدد كل العالم ودوله بلا استثناء ويلقي دعماً من قوي وأجهزة مخابرات وحكومات. بتوفير المال والسلاح والتدريب والملاذ الآمن والغطاء السياسي أيضاً للإرهابيين.. وكذلك في ظل حرص مصري علي مد أيديها بالتعاون مع الجميع الذين يحترمون إرادتنا وقرارنا ولا يتدخلون في شئوننا الداخلية ولا يتآمرون علينا.