تتعدد العوالم القصصية للكاتب الروائي هدرا جرجس ما بين العزف علي وتر الطفولة. تلك المرحلة من حياته التي ألهمته كثيرا من هذه العوالم. والذي تجلي واضحا في روايته الأولي "مواقيت التعري". التي حققت نجاحا كبيراً فور صدورها تمثل في احتفاء النقاد بها. ثم في متتاليته القصصية "بالضبط كان يشبه الصورة". ثم في روايته "صياد الملائكة" التي فاز من خلالها مؤخرا بجائزة ساويرس. كما تشغله قضايا الوجود والاغتراب والبحث عن الذات في عالم يمور بتحولات وجودية كبري..ويري هدرا أن الموروث الثقافي يلعب دورا كبيرا في تشكيل العمل الأدبي والفكري لأي كاتب. وهو ما تأثر به في جل كتاباته. وإلي نص الحوار. * ماذا يمثل لك فوزك الأخير بجائزة ساويرس عن رواية صياد الملائكة؟ ولماذا تقدمت إلي الجائزة من الأصل؟ ** الحقيقة كنت أحاول أن أعيد روعة جائزة ساويرس الأولي. التي حصلت عليها في دورتها الرابعة منذ 8 سنوات. وتسلمتها من يد الكاتب الكبير سلامة أحمد سلامة. وضمت لجنة تحكيمها الكاتب الكبير الراحل محمد البساطي والدكتور عبد المنعم تليمة والدكتور عبد الناصر حسن. كنت أحاول أن أعيد مذاق جائزتي الأولي الحلو مرة أخري. وهذا لم يتحقق هذه المرة. فالجائزة الأولي كانت فرحتها أعمق. وإن كنت قد سعدت جدا بالحصول علي الجائزة هذه المرة أيضاً. فهي تأتي لثاني رواية لي بعد أن حصلت روايتي الأولي "مواقيت التعري" علي نفس الجائزة أيضاً. * ألا تري أن التركيز علي قضايا الدين في الكتابة يمثل حساسية بعض الشيء؟ ** في الواقع أنا لا أكتب عن الدين. بل عن الإنسان بصرف النظر عما يعتقد. وفي "صياد الملائكة" تحديدا كان الدين مجرد حجة لضخ الغضب والكراهية في نفوس خربة وجاهلة ومهيئة لإحراق الوطن. وبطلها "حنا" في الأساس كان يعاني من اغتراب وجودي عن عالم يريد الهروب منه أو في أقل تقدير يلجأ إلي بعض الحيل لتجاهله. ولكن هذا العالم هو الذي يقتحم شقة حنا ويحطم بابها ويلج إلي حياته بأسلوب أخر لم يعرف حنا بوجوده. لأن المجتمع تغير. والكابوس الذي واجهه حنا في الرواية نواجهه جميعاً بحجة الدين الذي صار كما تقول موضوعاً حساساً من فرط استغلالنا له وسوء فهمنا لغاياته الانسانية. * هل تعد أعمالك انعكاسا لطفولتك. وجنوب مصر. بصفة عامة؟ ** حتي الآن لا تزال مدينتي الجنوبية ظاهرة في كتاباتي. وأعتقد انها ستستمر طويلاً. فما تركته في ليس بالقليل. ورغم اني أعيش في القاهرة وأعمل منذ مدة طويلة إلا أن هذه المدينة الكبيرة لاتزال تضجرني بصخبها وضجيجها ولم تُظهر بعد أي إلهام. وأنا فيما يبدو أكتب ببطء وأتكيف مع الأماكن ببطء أكثر. * لك متوالية قصصية هي "بالضبط كان يشبه الصورة". هل قصدت التجديد في طريقة الكتابة لتخرج في شكل متوالية؟ ** لا كنت أقصدها رواية. ولكني سألت نفسي وأنا أكتب ماذا لو كتبت قصصا تامة بذاتها من ناحية ومن الناحية الأخري تصنع "لو تتالت" رواية مكتملة. كتبت النصوص علي هذا الشكل. ونشرت معظمها في المجلات الثقافية والجرائد. إلا إنها مع ترتيبها بصورة معينة كانت تمثل فصولاً متعاقبة لنص قال كل من قرأه إنه رواية. المسألة نوع من التجريب والشكل في حد ذاته لا يهمني بقدر ما يهمني الهدف الأخير. الرسالة- القضية- الاتساق الفني- والبعد الجمالي. * وما جديدك في الفترة المقبلة؟ ** في معرض الكتاب القادم تصدر لي قصة طويلة "نوفيلا" عنوانها "خطية رابضة عند الباب" وهي قصة باب مغلق يتحول إلي قاتل. وهكذا ستكون كل الأبواب المغلقة في حياتنا. ستتحول جميعها إلي قتلة. لو لم نبادر بفتحها. ونتعرف علي بعضنا بعض مباشرة. نتلاقي ويري الواحد منا الأخر. ونكف عن الحديث من وراء الأبواب المقفلة. * وهل تقتصر علي الرواية والقصة أم أن لك رغبة في كتابة الشعر؟ ** رافد الفنون جميعاً واحد. لا فرق. شعر وقصة ورواية ومسرح أو تصوير ونحت أو حتي الموسيقي والتمثيل. الرافد واحد والقضية واحدة وهي الانسان. والأهداف ربما أيضاً تكون واحدة الخير والحق والجمال والسلام. ولو منحت الفرصة والظروف والدافع والموهبة سأكتب وأرسم وأغني. إلا أن المتعة لا تأتي فقط من الانتاج ولكن من الاستهلاك أيضاً. فأنا أحب كل الفنون. وأحب قراءة الشعر, وحتي هذه اللحظة أكتفي جداً بالقراءة التي تشبعني حتي المدي. ولكن الكتابة لا تأتي بالقصدية المباشرة. النوفيلا التي ستصدر لي في معرض الكتاب القادم مثلا. كنت علي وشك أن أكتبها كمسرحية من مشهد واحد. باب مغلق علي طرفيه يقف أثنان لا يعرفان بعضهما البعض ولا يفهمان ما يقولان لبعضهما. إلا أني رأيت أن المسألة تحتاج لتعزيز فكري يناسب أكثر شكل السرد الحر في القصة. * حدثنا عن طقوسك في الكتابة؟ ** كنت لا أكتب إلا بالقلم. والآن أكتب علي الحاسوب مباشرة. كنت لا أكتب إلا وحيدا والأن صارت لي زوجة وأطفال فلم أعد أمتلك تلك الرفاهية. نحن نكتب في كل الظروف. طقوس الكتابة مجرد كذبة نحن نصدقها أحيانا حتي نتكاسل عن القضية. أما لو كنت تقصد طقوس الكتابة ¢كصنعة¢ فهي كثيرة. فأنا لا أمرر الكلمات بسهولة. أكتب ما أريد ثم أنظر إلي كيف تصير الكلمات أبسط وأعمق وأكثر جنونا. وأعدل ما أكتب كثيرا وأتقدم في النص ببطء وأعيد القراءة بالكامل حتي ولو كان حجم الإضافة الجديدة كلمة واحدة. اكتب بلا خطط مسبقة. وفي بعض الأحيان بلا حكاية محددة. فقد يكون دافعي صورة رأيتها أو لوحة أو لحن أو موقف عابر أو شخصية محيرة أو مجردة فكرة فلسفية بعيدة ليس لها اطار قصصي.