ألم يصبكم الملل من حرب الشوارع وشرح مواد الدستور والرجوع في القوانين وكذب المسئولين وأباحة الدعاة وحريم السلطان؟ إذن دعوني أقرأ معكم ما تيسر من بعض الروايات التي تستعد للتصفية النهائية للفوز بجائزة بوكر الأدبية المرموقة. لن أشغل بالكم بتفاصيل الجائزة ولا حتي الخمسين ألف دولار للفائز الأول وعشرة آلاف لكل من باقي الستة علي القائمة القصيرة للمبدعين. في السنوات الخمس الماضية منذ أن بدأت الجائزة العربية فاز من مصر بهاء طاهر عن روايته "واحة الغروب" ومحمد البساطي عن "جوع".. وجاء في قائمة الفائزين من الأدباء المصريين يوسف زيدان عن عزازيل ومحمد المنسي قنديل عن يوم غائم في البر الغربي وخالد البري عن رقصة شرقية وميرال الطحاوي عن "بروكلين هايتس" وعز الدين شكري نشير عن رواية "عناق عند جسر بروكلين" أو مكاوي سعيد عن "تغريدة البجعة" ومنصور عز الدين عن "وراء الفردوس". ينتمي كتاب القائمة الطويلة هذا العام لتسع دول عربية ولأول مرة تتضمن كاتبا من الكويت هو سعود السنعوسي وروايته "ساق البامبو" موضوعها العمالة الأجنبية في البلاد العربية وما ينجم عنها من علاقات نجح في كشف كواليسها شاب كويتي من أم فلبينية. والسعودي محمد حسن علوان روايته "القندس" تحكي قصة شاب سعودي نشأ في أسرة مفككة يسترجع قصة حياته.. أما "القندس" فحيوان مائي من فصيلة الفأريات ينتشر في أنهار أوروبا وأمريكا الشمالية ويشتهر بإقامة سدود في عرض النهر لحماية العائلة من التيارات. * "طيور الهوليداي إن" عن الحرب الأهلية اللبنانية حيث القتل في الطريق علي الملة والهوية والاسم.. يتفاخر الشاب: "أنا قوصت أول رصاصة بالحرب".. قتلت كل من كانوا بالباص إلا واحدا كان يأتي ليشتري "المناقيش" من فرن عمي. لهذا لم أقتله. جنازة خلف جنازة.. انت مثل أخي يا سليمان وتعرف كم أنت عزيز علينا لكن ماذا نعمل والبلد صار هكذا والذي سيوقفك عند الحاجز لن يقرأ حتي اسمك وطاخ طاخ. جهزوا جوازات السفر وحجزوا تذاكر الطيران إلي "تورنتو" لكنهم لم يسافروا ما منعهم من الخروج لم يكن الخجل بل المرض الذي باغت الجدة.. أجلوا السفر ووقعت الحوادث وضاعت الفرصة. كثرت نداءات الاستغاثة بحثا عن مفقودين لن يعودوا. كيف يتكلمون مع بعض علي التليفون أو تحت قبة البرلمان ثم يتقاتلون أو يرسلون من يتقاتل ثم يلتقون من جديد كي يشربوا القهوة أن يتناقشوا في الدستور! المؤلف روائي لبناني ربيع دجن جابر فاز بنفس الجائزة العام الماضي عن رواية "دروز بلجراد" عن قصة حقيقية وقعت بعد تمرد في جبل لبنان قبل مئات السنين أيام الاحتلال التركي وصدور أمر بنفي عشرات الدروز بالبحر إلي قلعة بلجراد.. واحد منهم استطاع أبوه أن يهربه برشوة الضابط العثماني فأصبح العدد ناقصا أكملوه ببائع سميط متجول علي رصيف ميناء بيروت.. صرخ أنا مسيحي ولم يستمع إليه أحد فقضي سنوات في السجن البعيد يحلم بأسرته فلما عاد وجد الزمن تغير والزوجة عجوزا والطفلة شابة والدنيا غير الدنيا.. عاش منفيا في داخله وهو مطلق السراح. * "يافا تعد قهوة الصباح" للفلسطيني الأردني المقيم في لندن أنور حامد يكتبه بالعربية والانجليزية والمجرية واحدة من رواياته التي يسجل فيها حكاية شعب من لحم ودم تدور حوادثها في قرية فلسطينية صغيرة بيت نفضت بجوار يافا.. جسور وشروخ وطيور لا تطير.. لا رحيل أو بهجير أو خيام لاجئين بل أسواق وحمامات تركية ورحلات عالمية وسهرات رمضانية. وحكايات انبعثت من مقاهي يافا فقضت عن شاطئها الليل تعد قهوة الصباح. * قناديل ملك الجليل لصاحب زمن الخيول البيضاء وروايات أخري ملحمية عن فلسطين تعود هذه المرة إلي التاريخ فيمتزج الواقع بالخيال عن ثورة ظاهر العمر الزيد علي الأتراك فيها أيضا حب وتسامح ديني تمتد أحداثها إلي مصر والأردن ولبنان واسطنبول يقدمها الشاعر الروائي الأردني ابراهيم نصرالله. * "سعادته السيد الوزير" للأستاذ الجامعي الروائي التونسي حسين الواد هي مرافعة وزير متهم بالفساد لم يقبل المحامون الدفاع عنه.. رواية تكشف عن رئيس وزراء يغير زوجاته كما يغير جواربه. لا يهمه الجمال وانما صعود سلم النفوذ.. قضية جادة وطريفة لغتها ساخرة وبها بعض المتداول اليومي والعامي والتونسي. كان من حاشية سعادته فأصبح من مدرس ابتدائي إلي وزير للمهمات القذرة وانتهي إلي السجن والمحكمة ومستشفي المجانين. * "مولانا" ابراهيم عيسي الصحفي المصري كاتب مقال سياسي يقفل كل الجرانين وقارئ مقال سياسي مع وسائل توضيحية علي شاشة التليفزيون يحمل برنامجه علي كتفه من محطة لأخري حسب قدرة احتمال صاحب المحطة.. أهدته نقابة الصحفيين الانجليز وليس المصريين جائزة الشجاعة والمهنية. هوايته الأدب كتب رواية مقتل الرجل الكبير وهو "حسني مبارك" فصودرت أيامه وطبعت أكثر من طبعة بعد الثورة. "مولانا" روايته المرشحة لجائزة يوكر ترصد ظاهرة بعض شيوخ الفضائيات التي انتشرت والعالم الخفي الذي يدور وراء الكواليس ما بين المشايخ ورجال الأعمال والسياسة والأمن! * يضيق المقام وعدم توفر الروايات فتبقي العناوين: "أصابع لوليتا" لجزائري واسيني الاعرج و"حادي التيوس لابن بلده أمين الزاوي" و"تويا" للمصري اشرف العشماوي و"حدائق الرئيس" للعراقي محسن الرملي كتبها بالاسبانية أولا و"يامريم" لابن بلده سنان انطوان الذي يقيم في نيويورك ومن لبنان "ملكوت هذه الأرض" لهدي بركات و"أنا وهي والأخريات" لجني فواز الحسن و"سينالكول" لإلياس خوري. وإذا كنا قد بدأنا بلوليتا الأعرج ننتهي برواية "رجوع الشيخ" للمصري محمد عبدالنبي يسميها أصدقاؤه "نيبو". الأولي تبدأ بجملة لمصمم الأزياء الفرنسي العالي "ايف سان لوران" وهو من أصل جزائري يقول: لا شيء أجمل من جسد عار أجمل لباس في العالم يمكن أن ترتديه امرأة هو ذراع رجل تحبه.. ولكن بالنسبة للواتي لم يحالفهن الحظ فأنا هنا أيضا "سان لوران". أما "رجوع الشيخ" بعيدا عن صباه فمتاهة من الحكايات عن مسن يريد أن يكتب قصة حياته ويعلم انه سوف يموت عندما ينتهي منها.. يفتح صناديق ملونة يطلع من كل صندوق لعبة شكل ترقص جميعها علي الورق من غير مزيكا. بذلك ينتهي التحليق في سماء الروايات لنهبط من جديد علي أرض القلق الذي نعيشه ونستفتي!!