ولد السيد درويش البحر مجدد الموسيقي العربية وباعث النهضة الموسيقية في مصر والوطن العربي في 17 مارس 1892 في حي كوم الدكة بمدينة الإسكندرية لأسرة متوسطة الحال، فوالده كان يعمل بمجال النجارة ووالدته "ملوك بنت عيد" كانت ربة منزل. في عمر الخامسة التحق درويش بأحد الكتاتيب ليحفظ القرآن ويتلقى العلم، وبعد وفاة والده وهو في عمر السابعة الحقته والدته بإحدى المدارس الأهلية ومن هنا بدأ أول شعاع لموهبة درويش الفنية يتضح من خلال حصة الموسيقي في مدرسته. وقد لعبت الصدفة دورها في تغيير مجرى حياته، فقد تزوج سيد درويش في سن صغيرة وهو في عمر السادسة عشرة من عمره، وأصبح رب أسرة مسئولاً، فاشتغل مع الفرق الموسيقية على بعض المقاهي لكن لم يطل عمله بذلك المجال وتركها بعد أن ضاقت به الدنيا واضطر للعمل في مجال البناء وكان خلال العمل يرفع صوته بالغناء حتى سمعه الأخوان أمين وسليم عطا الله المشتغلين في الفن في ذلك الوقت وقررا أن يصطحباه معهما في رحلتهما الفنية إلى الشام في نهاية عام 1908. ورزق سيد درويش بولده محمد البحر قبل سفره وأمضى في تلك الرحلة نحو 10 أشهر وفي تلك الفترة تعرف سيد درويش على الشاعر الملا عثمان الموصلي وأخذ عنه فن التواشيح والقدود، وعاد درويش إلى مسقط رأسه ليكافح صابراً على مساوئ دنياه، وظل يعمل في المقاهي ومجالات أخرى بعيدة عن الفن حتى التقى ثانية بالأخوين سليم وأمين وسافر معهما إلى الشام وامتلأت جعبته الفنية من فن الأستاذ عثمان الموصلي وممن كان يتصل بهم من كبار الموسيقيين ورجال الفن هناك وتعلم أصول العزف على العود وكتابة النوتة الموسيقية فبدأت موهبته الفنية تزدهر. وقضي درويش عامين في الشام، وفي عام 1912 عاد للقاهرة وبدأ عمله في بعض المقاهي ويقال إن معظم أغاني سيد درويش كانت من وحي وإلهام نساء أحبهن وكانت لكل أغنية مناسبة فأخرج أول دور له وهو (يا فؤادي ليه بتعشق) ثم تبعته أدوار أخرى، ومن الطقاطيق التي اشتهرت في تلك الأيام ولا تزال (زوروني كل سنة مرة) وكان قد لحنها عقب سوء تفاهم وقع بينه وبين محبوبته أدى إلى خصام بعض الوقت. وهكذا أخذ درويش يخطو خطاه في طريق الشهرة وأصبح أصحاب المقاهي يتخاطفونه مع أنه كان يعمل بتلك المقاهي قبل رحلته. وضاقت الإسكندرية بفن سيد درويش فقرر النزوح الى القاهرة وأقام أول حفلة له بها في كازينو البسفور وكان ذلك في سنة 1917 تقريباً ثم بدأ في التلحين لكافة الفرق الموسيقية في منطقة عماد الدين مثل فرقة على الكسار ونجيب الريحاني وجورج أبيض. ويُعد سيد درويش من أوائل الفنانين الذين ربطوا الفن بالسياسة والحياة الاجتماعية وكانت بدايتها مع الحركة الوطنية سنة 1919 فأسهم فيها درويش بأناشيده الوطنية وألحانه الثورية التي ما زالت قائمة حتى الآن ومنها "قوم يا مصري" ولحن (إحنا الجنود زى الأسود نموت ولا نبعش الوطن) والنشيد الوطني (بلادي بلادي لكِ حبي وفؤادي) الذى اقتبس فيه كلمات الزعيم الراحل مصطفى كامل، وأغنية "الحلوة دى" التى غناها تضامناً مع الحرفيين والفئات العاملة بالمجتمع. وفي أواخر أيامه أنشأ درويش فرقته المسرحية حتى يتمكن من إظهار كل طاقته الفنية، وأخرجت الفرقة روايتي "شهرزاد" و"البروكة" كما أعاد تمثيل مسرحية "العِشرة الطيبة". وقام سيد درويش بتلحين نحو عشرين أوبريت، ضمت مئات الألحان بالإضافة إلى الأدوار والموشحات والأناشيد الوطنية والمونولوجات وغيرها من الألحان والأهازيج التي قدمها الشيخ سيد للموسيقى العربية. وفي 15 ديسمبر 1923 توفي الشيخ سيد درويش في ريعان شبابه وعطائه الفني بمسقط رأسه الإسكندرية عن عمر يناهز ال 31 عاماً وقد اختلفت الأقاويل والقصص عن وفاته لكن الارحج أن الوفاة كانت نتيجة لأزمة قلبية بسبب المجهود الزائد الذي قام به درويش في تحفيظ لحن استقبال سعد زغلول عند عودته من المنفى. وقد لُقب الشيخ سيد درويش بالعديد من الألقاب الفنية مثل: "خالد الذكر - فنان الشعب الشيخ سيد درويش - وخادم الموسيقى" (وكان أقربها إلى قلبه). تم تكريم سيد درويش بعد وفاته لريادته في عالم الموسيقي العربية عدة تكريمات ومنها: إطلاق اسمه على قاعة سيد درويش- أكاديمية الفنون القاهرة، وقاعة سيد درويش بالإسكندرية، وإطلاق اسمه على الشارع الرئيسي بحي كوم الدكة (شارع كوم الدكة سابقاً)، وإقامة تمثال له في كل من معهد فؤاد للموسيقى العربية، وحديقة الخالدين بالإسكندرية، ودار الأوبرا بالقاهرة، وأكاديمية الفنون واختيار نشيد "بلادي بلادي" ليكون السلام الوطني لجمهورية مصر العربية. وفى 1966 تم إنتاج فيلم يتناول قصة حياة الراحل سيد درويش، وقام ببطولته الفنان كرم مطاوع، وكان من إخراج أحمد بدرخان.