لا يخفى على أحد ذلك الدفع الرهيب نحو محاولة تعطيل بدء مرحلة التحول الديمقراطي وإجراء الانتخابات البرلمانية بأي طريقة كانت، وقد ظهر هذا جلياً منذ الاستفتاء في مارس الماضي الذي صوتت الغالبية فيه على خطة الطريق للمرحلة الانتقالية بعد الثورة التي حددها المجلس العسكري في 6 أشهر، ثم لاحظنا جميعاً وقتها الاعتراض على قِصر هذه الفترة التي لن تتيح للأحزاب الناشئة التواجد في الشارع وتكوين قاعدة جماهيرية لها لاحظ نفس المعترضين على قِصر المرحلة الانتقالية اعترضوا على أن الجيش لم يسلم السلطة في سبتمبر كما وعد وتأجلت الانتخابات، التي سبق موعد إجرائها كما كان مخططاً جمعة ثورة الغضب الثانية ثم اعتصام 8 يوليو الذي تم فضه مع أول يوم في رمضان، وأحداث العباسية ومحاولة الذهاب لوزارة الدفاع والاعتصام أمامها أو حرقها كما كان مخططاً، ثم بعد ذلك أحداث السفارة الإسرائيلية، وجمعة "عودوا إلى ثكناتكم" رغم تحديد المجلس العسكري موعداً لإجراء الانتخابات البرلمانية، ثم أحداث ماسبيرو مع قرب فتح باب الترشح للبرلمان بأيام. كل هذا وأكثر يشي بشئ واحد وهو أن فريقاً ما لا يريد أن يتمم المجلس العسكري المرحلة الانتقالية، وبالتالي لا يريد إجراء الانتخابات التي نعرف مسبقاً من الذين سيحصدون غالبية مقاعد برلمانها ويصبح لهم التحكم في اختيار لجنة وضع الدستور وبالتالي يريد هذا الفريق رحيل المجلس العسكري وتعيين مجلس رئاسي مدني لإدارة شئون البلاد، والذي بالطبع سوف يعيدنا إلى نقطة الصفر وسيبدأ المرحلة بتأجيل الانتخابات عامين على الأكثر يقوم بوضع دستور للبلاد خلالهما.. وعندما لم يلاقِ هذا الأمر هوى لدى النخبة اتجه هذا الفريق لفكرة أخرى وهي تعيين حكومة جديدة يترأسها البرادعي الذي اشترط أن تكون له كامل الصلاحيات لقبول المنصب، وفي هذه الحالة سيكون المجلس العسكري كمن يملك ولا يحكم، وبالتالي يقوم البرادعي بتنفيذ السيناريو الذي ذكرته في السطور السابقة وهو تأجيل الانتخابات وتمديد المرحلة الانتقالية ووضع الدستور الذي ينادي دائماً بوضعه قبل أي انتخابات. هذا الأمر اتضح جلياً بعد الاستفتاء مباشرة لدى جماعة "الدستور أولاً" التي خططت لاعتصام 8 يوليو حتى بعد تصويت الأغلبية على الانتخابات البرلمانية ثم الدستور ثم انتخابات الرئاسة، وظل هؤلاء يمارسون كثيراً من الضغوط للدفع في هذا الاتجاه دون جدوى، وعندما يئسوا من هذا الأمر بدأوا سيناريو التشكيك في المجلس العسكري واتهموه بالتواطؤ والتباطؤ وأنه يقود ثورة مضادة لإجهاد ثورة يناير، وقاد هذا الاتجاه علاء الأسواني بشكل فج بدأه بالتحريض ضد المجلس العسكري، وحمّله مسئولية كل ما حدث فى مصر بعد تنحى مبارك، وأن المجلس أقر رحيل مبارك للحفاظ على النظام القديم، بل واتهم المشير طنطاوي صراحة بأنه يسعى لإجهاض الثورة، وأنه يتبع نفس السياسات التى اتبعها حسنى مبارك في ممارسة السلطة، ليس هذا فقط بل هاجم الأسوانى أيضاً كل من يشيدون بدور المجلس العسكري في حماية الثورة وكل الذين ينادون بإعطاء المجلس فرصة لعبور المرحلة الانتقالية بسلام، كما طال هجومه الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية. واتخذ الأسواني وجماعته المحاكمات العسكرية تكئة لزيادة الهجوم على المجلس العسكري وحرّض الأسواني المصريين على التظاهر يوم الجمعة 9/9 ضد المحاكمات العسكرية للمدنيين وقال إن الاشتراك فى هذه المظاهرة فرض عين على كل مصرى، وشن هجوماً عنيفاً على أفراد الشرطة العسكرية مدعياً عليهم كذباً بأنهم مثل "جهاز أمن الدولة السابق" وذلك لإثارة الناس ضد الشرطة العسكرية لاحظوا معي التشبيه واربطوا بينه وبين ما حدث أمام ماسبيرو. ثم تفتق ذهن هذا الفريق الجبار الذي يريد السيطرة على الحكم والذي حذر منه المجلس العسكري في أحداث جمعة 8 يوليو بأنه لن يسمح لأحد بالقفز على السلطة بعدما هدد المتظاهرون بإغلاق قناة السويس وقاموا بغلق المجمع ثلاثة أيام متتالية، أقول تفتق ذهنهم عن فكرة شيطانية تقصم ظهر المجلس لو تم لهم ما أرادوا وذلك عن طريق الزج بالجيش في مواجهة مباشرة مع الأقباط، وتم لهم ما أرادوا يوم الأحد 9 أكتوبر، لم يكن الأقباط وحدهم عند ماسبيرو في هذا اليوم، فقد انضم إليهم شباب 6 أبريل وبعض ائتلافات شباب الثورة الذين يكرهون الحكم العسكري، هؤلاء سعوا أكثر من مرة للذهاب إلى وزارة الدفاع لتنفيذ مخطط ما وفشلوا، وها قد واتتهم الفرصة لإحراج الجيش وجره في مواجهة مع المتظاهرين، وكانت البداية بإطلاق الرصاص على جنود الشرطة العسكرية والتعدي عليهم بالضرب بالحجارة وإحراق معداتهم العسكرية تماماً مثلما فعلوا في سيارات الشرطة في جمعة الغضب 28 يناير، وهنا اشتعل الموقف وحدث ما حدث أمام ماسبيرو، كل هذا وفي مخيلتهم أن المجلس العسكري سيصدر قراراً بوقف عملية الترشح في البرلمان كما يريدون ثم يكملوا هم المهمة في محاولة السعي لإسقاط المجلس العسكري. وبعد أحداث ماسبيرو بدأ الترويج للبرادعي رئيساً للحكومة لاستكمال باقي المخطط، ولا يألو البرادعي جهداً في انتقاد المجلس العسكري حتى أنه دعا صراحة إلى إخراج المجلس من الصورة وأن يبتعد عن لعبة السياسة وألا يكون له دور فى إدارة الدولة، أعتقد أنه ليس من الشجاعة ولا البطولة مهاجمة المجلس العسكري بعد كل ما قدمه لمصر وللثورة، فما يحدث اليوم على الساحة وحالة التجرؤ على المؤسسة العسكرية، ينذر بعواقب وخيمة قد تجر البلاد إلى ما لا تحمد عقباه، لقد تبنى الجيش من البداية مطالب الثورة وأكد أنه ليس بديلاً عن الشرعية الثورية، اليوم نسينا كل هذه المواقف المشرفة للجيش وأصبحنا نطالبه بما لا يطيقه ونحمّله كل خطايا النظام البائد وهو ليس له ذنب فيها، والغالبية العظمى من الشعب تؤيد المجلس العسكري وتسانده لعبور المرحلة الانتقالية، وكلنا نشاهد يومياً على شاشات الفضائيات ما يحدث ضد المحتجين على أنظمة الحكم في اليمن، وفي ليبيا، وما يحدث في سوريا ليس ببعيد. لقد أعلن قادة المجلس العسكري من البداية أنهم لا يسعون لسلطة وإنما يعملون لحماية البلاد مما كان يمكن أن تنزلق إليه لولا قيّض الله لها هؤلاء الرجال الشرفاء الذين نفخر بهم وبأدائهم في خدمة الوطن. نحن نطلب من المجلس العسكرى أموراً وكأنه سيستمر فى الحكم سنوات، لماذا لا نهدأ بدلاً من المغامرة بمصر كلها، لأنه بسقوط المؤسسة العسكرية لن تكون هناك مؤسسة تحمي البلاد من السقوط.