هو شكل من أشكال المناورة قام به طاغية مصر وفرعونها عبدالفتاح السيسي بشأن مشاركته في اللحظات الأخيرة في القمة العربية الثلاثين التي اختتمت أعمالها أمس الأحد 31 مارس 2019 بتونس؛ حيث ترك الغموض سيد الموقف بشأن مشاركته وتردد تخفيض مستوى مشاركة القاهرة إلى رئيس الحكومة مصطفى مدبولي؛ حتى أعلنت الرئاسة التونسية عدم مشاركته في تصريحات رسمية؛ لكن السيسي فاجأ الجميع بمشاركته في اللحظات الأخيرة حيث استقل الطائرة وشارك في الجلسة الافتتاحية ثم عاد بعد عدة ساعات؛ فما هي الكواليس والأسباب التي دفعته إلى المشاركة بشكل مفاجئ؟ وكان نور الدين بن تيشة، المستشار السياسي للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، قد اعتبر في تصريحات له، أن اعتذار السيسي عن حضور القمة العربية في تونس جاء لظروف خارجة عن تونس. وقال إن “السيسي اعتذر لمسائل تخصه وتخص الأشقاء في مصر وبعيدة كل البعد عن مسؤوليتنا”، مؤكداً أن تونس وفّرت كل الظروف لاستقبال الزعماء العرب. الخوف من احتجاجات ضد مشاركته بحسب صحيفة العربي الجديد فإن السبب الأول وراء تراجع السيسي عن قراره وحضوره للقمة،يعود إلى خوفه من تنظيم نشطاء الثورة التونسية مظاهرات احتجاجية ضد مشاركته؛ وأن تغيير القرار يعود إلى الدوائر الأمنية المصرية المعنية بتأمين طاغية الانقلاب ، وأن هذه الدوائر كانت قد حددت مجموعة من المطالب، في مقدمتها منْع أي تظاهرات ضد السيسي، بعد تقارير رفعتها السفارة المصرية في تونس إلى الخارجية تفيد باستعداد مجموعات من النشطاء، ومنظمات حقوق الإنسان التونسية، لتنظيم تظاهرات كبيرة ضد السيسي بسبب أوضاع الحريات، والقمع والانتهاكات الحقوقية. وسعت الدوائر الأمنية التونسية إلى تلبية مطالب فرعون مصر لكنها أعلنت صعوبة منع أو قمع أي تظاهرات، مؤكداً في الوقت ذاته أنه بإمكان الأمن التونسي فقط إبعاد تلك التظاهرات أكبر مسافة ممكنة عن أماكن سير موكب الفرعون المصري، وكذلك إبعادها عن مقر إقامته. لكن الدوائر الأمنية المسئولة عن تأمين السيسي لم تقتنع بهذه التبريرات التونسية فتقرر الإعلان عن عدم مشاركة السيسي في القمة، كنوع من الاحتجاج. وفي رواية أخرى فإنه لا صحة للمعلومات المنشورة عن “تغيير موقف السيسي من حضور القمة”، لكنه كان يخطط لحضورها قبل أسبوع، وتحدث في هذا الشأن مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، عندما زار مصر مؤخراً. وأن الدوائر الأمنية القريبة من السيسي تعمدت عدم إحاطة الجانب التونسي بقرار الحضور مبكراً، حتى تجهض أي نشاطات وفعاليات محتملة للهجوم على السيسي وسياساته في الشارع والإعلام التونسيين، وأنه “تم إبلاغ الجانب التونسي بأن حضور السيسي مشكوك فيه لأسباب أمنية”، وتمت المطالبة بتأمينات خاصة لمقر الإقامة المؤقت ولمسار موكب السيسي. ويعود ذلك إلى أن هذه الدوائر الأمنية تابعت بغضب وقلق الهجوم الإعلامي والنيابي التونسي على السيسي، لكن الأخير يصرّ دائماً على حضور مؤتمرات كهذا لإثبات قوته على رأس السلطة، فضلاً عن أنها فرصة لالتقائه بعدد من الزعماء وعلى رأسهم الملك سلمان وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح. وكان النائب البرلماني التونسي عن حزب “المؤتمر من أجل الجمهورية” عماد الدايمي، قد هاجم السيسي في مجلس نواب الشعب التونسي قبل يومين قائلاً: “نرحب بكل الأشقاء العرب، ولكن لا نرحب بالقتلة، ولا نرحب بالمنقلبين على إرادة شعوبهم، وعلى رأسهم الجنرال السيسي الذي قتل شعبه، وتُعاني فئات واسعة من الشعب المصري من القمع الذي يسلطه عليهم”. زيارة بن زايد للقاهرة أما السبب الثاني وراء تغيير فرعون مصر قراره والمشاركة في القمة هو اتصالات إماراتية خصوصا في ظل أنباء عن خلافات عميقة بين مصر والإمارات أخيراً بسبب الملف الليبي، مع استشعار القاهرة محاولات من جانب أبوظبي لسحب الملف الليبي منها وجعله بالكامل تحت إدارة إماراتية، خصوصاً بعد توجُّه السعودية للقيام بدور في هذا الملف وتوسيع نفوذها، وهو ما بدا واضحاً من خلال استقبال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، للواء الليبي خليفة حفتر أخيراً. وكلمة السر في تغيّر موقف السيسي وتوجّهه إلى تونس كانت زيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، إلى مصر أخيراً ولقائه برئيس الانقلاب وكانت دعوة السيسي للمشاركة في الاجتماع المتعلق بشأن ليبيا بمثابة تلطيف للأجواء المتوترة. اتصالات سعودية أما السبب الثالث وراء تغير موقف السيسي من الامتناع إلى المشاركة يعود إلى اتصالات سعودية جرت أخيراً، أسهمت أيضاً في حضور السيسي للقمة، ورفع مستوى التمثيل للدول العربية الكبرى وذلك في ظل حضور الملك سلمان ممثلاً لبلاده وهو أعلى مستوى تمثيل للمملكة، وذلك في وقت تدخّلت فيه أطراف عربية لدى تونس، لتشديد الإجراءات الأمنية الخاصة بالقمة وتأمين الزعماء المشاركين، والسعي للحد من التظاهرات الاحتجاجية ضد بعض الزعماء، وهو ما أكد الجانب التونسي على بذل أكبر الجهود لتحقيقه.