إلى أين تتجه الجامعة العربية بعد سبعة عقود من إنشائها وإثر سنوات الربيع العربي؟ وهل باتت مواقفها رهنا لسياسات بعض أعضائها ممن يمتلكون المال والنفوذ؟ وما الذي يُرجى من أنظمة متآمرة على بعضها مستعينة بالخارج على شعوبها ومستميتة على كراسي حكمها؟ تنطلق غدًا القمة العربية الثلاثون بتونس وسط 5 ملفات عاجلة على طاولة مناقشاتها، بينها تداعيات الإعلان الأمريكي بشأن الجولان السوري، والأزمة المالية الفلسطينية. وقبل ساعات من انطلاقها، أنهى وزراء الخارجية العرب اجتماعهم في العاصمة التونسية، بعد إقرار بنود أعمال القمة العربية التي تعقد الأحد، وفي مقدمتها تأكيد عروبة الجولان السوري المحتل، وسبل دعم القضية الفلسطينية، خاصة في ظل القرارات الأمريكية والانتهاكات الإسرائيلية. رفض غطرسة ترامب ووسط خلافات وانقسامات تنعقد القمة العربية في تونس أملا في صياغة موقف موحد ضد قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل. وتوقعت وكالة “أسوشيتد برس” في تقرير لها، أمس الجمعة، أن تظهر القمة الانقسامات العربية الحادة، كما ظهر في القمم السابقة. وخلال الجلسة الافتتاحية، قال خميس الجهيناوي وزير الخارجية التونسي، أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي يسبق القمة العربية في تونس، إن بلاده ترفض القرار الأمريكي بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل. قمة صورية المطلع على أحداث القمم السابقة، يجد “قمة تونس” فى حالة ارتباك سيزداد في عدم القدرة على التعامل مع الأزمات المتفاقمة. وأعلن المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، محمود عفيفي، في مؤتمر صحفي، أن جدول أعمال القمة يتضمن نحو 20 مشروعًا وملفًا، على رأسها القضية الفلسطينية وأزمتها المالية، وأزمة سوريا، والوضع في ليبيا، واليمن. وبرغم أن قمة تونس قد تصدر قرارًا حول الجولان السورية في ضوء التطورات الأخيرة، فإن الأنباء المتواترة تؤكد عودة سوريا غير مدرجة بجدول أعمال قمة تونس، كما أن القضية الفلسطينية ستكون في مقدمة الاهتمامات للتعامل مع الوضع الضاغط على السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني وبحث الموقف المالي الصعب وكيفية الخروج من هذا المأزق، وستكون في أولويات المناقشات. آخر 5 قمم منذ قمة بغداد 2012 إلى الظهران بالسعودية في 2018 قد ركزت على «القضية الفلسطينية والقدس” و”تدخلات إيران” و”أزمات سوريا وليبيا واليمن”، و”الأمن القومي العربي” و”مكافحة الإرهاب”، إلا أنها كانت وما زالت تختتم توصياتها ببيانات “صورية” مثال التهدئة والمطالبة بحل القضايا والشجب والإدانة. قمة الانقسام ويظهر الانقسام العربي في العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، أبرزها القضية الفلسطينية؛ إذ إن “الانقسام واضح ومكشوف للعيان، خاصة بشأن القضية الفلسطينية، فهناك من يهرول للتطبيع ويخدم مصالح كيان الاحتلال ومن يرفضه وما يجري في الخفاء ليس كما يظهر في العلن”. في اليمن يتجلى انقسام الدول العربية بين من يدعم تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات ومن يدعم الحوثيين هناك”، وتنقسم الدول العربية أيضًا في الشأن الليبي طبقًا للانقسام الحاصل داخل الدولة إلى شقين شق يدعم حكومة الوفاق بقيادة فائز السراج المعترف بها دوليًا وشق يدعم جيش المنقلب خليفة حفتر”. بينما يأتي الملف المصري بدوره محل انقسام بين الدول العربية حيث تمضي بعض الدول في مساندة نظام المنقلب السيسي ولو كلفها ذلك التغاضي عما يرتكبه من انتهاكات، بينما تقف دول أخرى على مسافة من نظام العسكر الذي حكم مصر بعيد الانقلاب على نظام منتخب ممثل في الدكتور محمد مرسي المعتقل في سجون السيسى منذ 6 سنوات”. الأزمة الخليجية والشيء بالشيء يذكر أن “الأزمة الخليجية” هي ترجمة لعمق تلك الانقسامات التي تعيشها الدول العربية، فقد برزت هذه الأزمة، بسبب الاصطفاف خلف أنظمة الحكم في الدول التي تشهد تغيرات كبرى كسوريا ومصر وغيرها”. ولن تخلو القمة الثلاثون العادية من التحذير من اندلاع ثورة عامة بين صفوف الشعب الجزائرى ،خاصة بعدما تخلى الجيش والدولة عن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة،مع استمرار تظاهرات جمعة الغضب للمرة السادسة على التوالي. محلك سر الباحث المصري في مركز «الأهرام الاستراتيجي»، كامل عبدالله، توقع أن القمة المقبلة لن تقدم جديدًا، وستكون كما هي في مواقفها وبياناتها الدورية، ولكن الفارق أن الارتباك العربي سيزداد في عدم القدرة في التعامل مع الأزمات. وأضاف أن أزمات سوريا وليبيا واليمن على جدول اللقاء، وسيكون هناك اجتماع للجنة الرباعية يوم السبت المقبل بشأن الأزمة الليبية على هامش القمة، مستدركًا: “لكن كالعادة ستعقد القمة وستكون هناك خلافات وتباين في الرؤى بلا تغيير على أرض الواقع”. ورجح ألا يكون هناك قرار قوي وملموس من هذه القمة في ظل هذه الرؤى المختلفة إزاء الأزمات الراهنة، وعزا «الارتباك» إلى محاولة إرضاء النظام الدولي لأولويات محلية على حساب قضايا الأمة؛ إذ تشهد دول عربية كالجزائر والسودان احتجاجات، بينما تعج ليبيا واليمن وسوريا بمواجهات مسلحة، فيما هناك تصعيد إسرائيلي تجاه فلسطين وقطاع غزة. من جهته يؤكد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة التونسية هاني مبارك، أن “قمة تونس تنعقد في ظروف تكاد تكون مختلفة بعض الشيء عن الظروف التي عقدت في مناخها العديد من القمم السابقة من حيث بعض الجزئيات، فهذه القمة تنعقد مثلاً في ظل انهيار كبير للصورة السعودية التي تتزعم حاليًّا قيادة الإقليم بسبب الكوارث الإنسانية التي تسببت بها حربها على اليمن أو بسبب مخلفات جريمة اغتيال الصحفي السعودي في القنصلية السعودية في إسطنبول”. ويضيف مبارك: “السعودية تبحث عن مناسبة لترميم صورتها، وهذه القمة هي مناسبة من هذا القبيل”، واستدرك أستاذ العلوم السياسية بقوله “في المقابل فإن ما تسببت به السياسات الإقليمية للسعودية أضعفت النظام الإقليمي العربي وجعلته عرضة تفاعلات غير مسبوقة من قبل تفاعلات القوى الإقليمية المجاورة بالإضافة إلى تفاعلات قوى النظام الدولي”. ملفات لن تبحث ولن تجد فى “قمة تونس” مكانًا لعدد من القضايا التى شغلت الرأى العام، والتي كان آخرها الانتهاكات والاعتداءات المستمرة ضد المسلمين وآخرها جريمة “مسجدي نيوزيلندا”، فضلا عن جرائم الإبادة ضد المسلمين في الصومال وبورما، بالإصافة إلى صم الآذان عن مظاهرات السودان التي تتواصل منذ 4 أشهر.