رئيس جامعة المنيا يتابع سير العملية الامتحانية بكلية التربية الفنية    أسعار الأضاحي بسوق الماشية في الدقهلية اليوم الثلاثاء 11-6-2024    طرح وحدات سكنية جاهزة للاستلام الفوري بمشروع «valley towers» بحدائق أكتوبر    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الاثنين 10 يونيو 2024    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الثلاثاء    بحث تفعيل "عمرة بلس" لتنمية السياحة الدينية بمصر    المالية: صرف 5 مليارات جنيه من دعم المصدرين ل360 شركة بمبادرة «السداد النقدي الفوري»    11 يونيو 2024.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    حزب الله اللبناني يطلق صاروخ أرض جو على طائرة إسرائيلية ويجبرها على المغادرة    الخارجية الروسية: مشاكل إيرانية وراء تعليق اتفاق التعاون الشامل    إعلام فلسطيني: استشهاد مزارعين وإصابة آخر جراء استهدافهم من طيران الاحتلال    الجيش الأوكراني: إسقاط مقاتلة روسية سو-25 في بوكرفسك بدونيتسك    ودية للمنتخب الأولمبي.. مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء    رضا عبد العال: هذا الثنائي كان يستحق المشاركة ضد غينيا بيساو    فيديو.. الأرصاد: ذروة الموجة شديدة الحرارة تبدأ الخميس وتستمر ل72 ساعة    نشرة مرور "الفجر ".. سيولة بميادين القاهرة والجيزة    أبل تكشف عن استراتيجية الذكاء الاصطناعي بدمج تطبيق "تشات جي.بي.تي"    الصحة: بعثة الحج الطبية تقدم خدمات الكشف والعلاج ل11 ألف حاج مصري    قبل عرضه في السينما.. تعرف على النجوم المشاركين في "ولاد رزق 3" للمرة الأولى    عاجل.. وفاة الموزع أمير جادو بعد صراع مع المرض    محافظ الأقصر يبحث التعاون المشترك مع الهيئة العامة للرقابة الصحية    أحدهم مجهول الهوية.. مصرع 3 أشخاص وإصابة 2 آخرين في حادث سيارتين بأسيوط    وزيرة التنمية الألمانية: هناك تحالف قوي خلف أوكرانيا    موعد مباراة منتخب مصر القادمة في تصفيات كأس العالم 2026 والقنوات الناقلة    موعد ومكان تشييع جنازة وعزاء الفنانة مها عطية    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    عصام السيد: تغيير الهوية سبب ثورة المصريين في 30 يونيو    8 نصائح من «الإفتاء» لأداء طواف الوداع والإحرام بشكل صحيح    عالم أزهري: دعاء «أهل الكهف» مفتاح الفرج والتوفيق من الله.. ويحقق المعجزات    دعاء اليوم الخامس من ذي الحجة.. «اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك»    انتشال عدد من الشهداء من تحت أنقاض منازل استهدفها الاحتلال بمدينة غزة    حكم الشرع في ارتكاب محظور من محظورات الإحرام.. الإفتاء توضح    شغل في القاهرة.. بحوافز وتأمينات ورواتب مجزية| اعرف التفاصيل    ذاكرة الكتب.. كيف تخطت مصر النكسة وبدأت حرب استنزاف محت آثار الهزيمة سريعًا؟    عيد الأضحى 2024.. الإفتاء توضح مستحبات الذبح    مصطفى كامل يتعرض لوعكة صحية خلال اجتماع نقابة الموسيقيين (تفاصيل)    عمرو أديب: مبقاش في مرتب بيكفي حد احنا موجودين عشان نقف جنب بعض    عيد الأضحى في تونس..عادات وتقاليد    زكي عبد الفتاح: منتخب مصر عشوائي.. والشناوي مدير الكرة القادم في الأهلي    احتفالا بعيد الأضحى، جامعة بنها تنظم معرضا للسلع والمنتجات    صحة الفيوم تنظم تدريبا للأطباء الجدد على الرعاية الأساسية وتنظيم الأسرة    مصر ترحب بقرار مجلس الأمن الداعي لوقف دائم لإطلاق النار في غزة    عيد الأضحى 2024.. إرشادات هامة لمرضى النقرس والكوليسترول    الحق في الدواء: الزيادة الأخيرة غير عادلة.. ومش قدرنا السيء والأسوأ    بعد تصريحاته المثيرة للجدل.. إبراهيم فايق يوجه رسالة ل حسام حسن    «اختار الأهلي».. كواليس مثيرة في رفض حسين الشحات الاحتراف الخليجي    «جابوا جون عشوائي».. أول تعليق من مروان عطية بعد تعادل منتخب مصر    التحقيق في إصابة 4 أشخاص في حريق مبنى على طريق إسكندرية مطروح الساحلي    قصواء الخلالي: وزير الإسكان مُستمتع بالتعنت ضد الإعلام والصحافة    إبراهيم عيسى: طريقة تشكيل الحكومة يظهر منهج غير صائب سياسيا    رئيس خطة النواب: القطاع الخاص ستقفز استثماراته في مصر ل50%    منتخب السودان بمواجهة نارية ضد جنوب السودان لاستعادة الصدارة من السنغال    بالصور.. احتفالية المصري اليوم بمناسبة 20 عامًا على تأسيسها    هل تحلف اليمين اليوم؟ الديهي يكشف موعد إعلان الحكومة الجديدة (فيديو)    وزيرة الثقافة تفتتح فعاليات الدورة 44 للمعرض العام.. وتُكرم عددًا من كبار مبدعي مصر والوطن العربي    الاستعلام عن حالة 3 مصابين جراء حادث مروري بالصف    عالم موسوعي جمع بين الطب والأدب والتاريخ ..نشطاء يحييون الذكرى الأولى لوفاة " الجوادي"    مصر ضد غينيا بيساو.. قرارات مثيرة للجدل تحكيميا وهدف مشكوك فى صحته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. شحاتة محروس يكتب: مكر الثعالب وسذاجة الحملان

إذا كنت أمام ثعلب عجوز ماكر، وحملان صغيرة وديعة ساذجة، فلك أن تتصور مدى التباين فى كل شىء، فهناك التباين فى الخبرة حتى لو ادعت غير ذلك الحملان، والتباين فى العمر، فثمة فرق كبير بين العجوز والصبيان، وبين تخطيط الثعالب وسذاجة الحملان، فثمة فرق كبير بين المكر والدهاء الذى جبلت عليه الثعالب، والوداعة والطيبة وحسن الظن التى فطرت عليها الحملان، وثمة فرق مهم فى طول البال، فالثعلب قد يصبر طويلا حتى تقع الحملان فيما هى مقدمة عليه بنفسها.
فإذا تصورنا قصة نحكيها لأبنائنا لا تزال تحدث فى إحدى الغابات الخضرة الناضرة المليئة بالخيرات، والتى كان يتجاور فيها جميع سكانها فى رضا، ويأكلون معا من رزق الله الكثير، وكان ملك الغابة ثعلب كبير مريض فى ثوب أسد، وكان يلتف حوله عدد لا بأس به من البقرات الضخمة المطيعة التى لا ترد له كلمة، وكان يعاونه عدد من القطط السمان التى تشكل حاجزا بينه وبين سكان الغابة، وكان له جيش كبير يقوده له عدد من الثعالب الماكرة، وله جهاز حراسة مخيف يقوده عدد من الذئاب المفترسة، وله جهاز إعلامى ضخم يعمل فيه عدد من الحمير عالية الصوت، والببغاوات الجميلة التى تردد فقط ما تسمع.
فكرت الحملان الصغيرة ذات يوم أن تثور على الأسد المريض، لأن حال الغابة كان ينتقل من سيئ إلى أسوأ، ولأن اللبوءة زوجته هى التى كانت تفكر وتقرر وتحكم وتتحكم، ولأنه كان يريد أن يحكم الغابة من بعده أبناؤه النصابون الطماعون المتهورون، وقد كانوا من فرط غبائهم يثقون فى الثعالب والذئاب ويطلبون منهم المشورة والنصيحة، ويتركون لهم تسيير أمور الغابة حتى تغير حالها، وانتشر بها الفقر والجوع والمرض، وساءت سمعتها بين الغابات المجاورة، وتندر بها جميع سكان الغابات القريبة والبعيدة.
فاغتاظ شباب الغابة غيظا شديدا، وكان الكبار أكثر غيظا من الشباب، ولكنهم كانوا يراجعون أنفسهم ويكتمون غيظهم، ويأمرون أبناءهم بالسكوت حتى يعيشوا فى سلام، فلم يتحرك للكبار ساكن، ولكن الشباب قرروا وتجمهروا وهتفوا: (يسقط يسقط الجبار، شكله أسد لكنه حمار)، وارتعدت فرائص الأسد حينما سمع هتافاتهم المدوية، وما هى إلا أيام حتى انهار تماما، فنصحته الثعالب أن يترك الحكم لمجموعة منهم، ويرتاح فترة حتى يستطيعوا أن يقضوا على تلك الثورة، ويعودوا إليه بالحكم مرة أخرى.
وكان رئيسهم ثعلبا أسود عجوزا، ترى المكر واضحا فى عينيه، فظل يمالئ الثوار ويداهنهم، ويمكر بهم حتى يتمكن منهم، واستخدم عددا من الماكرين أمثاله الطامعين فى الحكم، وعددا من القرود التى تلعب على كل الحبال، وعددا من الكلاب الضالة التى لم يكن لها عمل إلا النباح والبلطجة للزود عن الأسد المريض، وكانت فترة حكم الثعالب كأنها مباراة فى المكر والخديعة، واستمرت معركة الوجود بين الثعالب الماكرة تعاونها الذئاب الغادرة من جانب والحملان الصغيرة الوديعة وباقى سكان الغابة من جانب آخر.
كان الثعلب العجوز يسلط القطط السمان ليستخدموا قطيعا من الحمير ذات الصوت الجهورى وسربا من الببغاوات الجميلة لتعمل عندها فى وسائل إعلامها، وكان لأصواتهم تأثير كبير على سكان الغابة، فمن العبث أن تناقش حمارا فى قضية، أو تثبت له أنه مخطئ، فهو يظل يكرر ما يقول، وينهق بما لا يفهم، حتى لو أقسمت له أن ما يتهمك به لم يحدث، فإنه يعود ويكرر الكلام نفسه، ويجتر الأفكار نفسها، ولكن للحق وللتاريخ لم يكن كل العاملين فى إعلام الثعلب من جنس واحد، بل كان بعضهم من القردة الذكية الواعية، والتى كانت تبغى القفز عاليا فتحقق فى قفزة واحدة ما لم تحققه طوال حياتها، فحاولت أن تؤثر على مجريات الأحداث لتشارك الثعالب فى الحكم، ولكن هيهات، فالثعالب هى الثعالب، والذئاب هى الذئاب.
واعتمدت الثعالب على محاصرة الثورة من كل جانب، فكانت تترك قادة الحملان الساذجة يختلفون معا، ويتنافرون، ويتخاصمون، وكلهم يبغى ود الثعلب، وإن كان يشتمه عيانا بيانا، وقد يلجئون إليه لحل مشكلاتهم معا، والتوفيق بينهم، وهو الذى يوقع بينهم العداوة والبغضاء ليظلوا فيما بينهم مختلفين وله محتاجين، وإليه محتكمين، فيظل هو سيدهم، وهم من فرط سذاجتهم لا يعلمون ما تضمره لهم الثعالب.
واستخدم الثعلب العجوز كل أساليب المكر فى تفتيت قوة الشعب، وتفكيك وحدة الثوار، وتسليط فئة على أخرى، واعتمد فى ذلك على طمع بعضهم وسذاجة الآخر، فكان يمنّى الطماع منهم بالمناصب، ويمدح فى ذكاء المعجب منهم بنفسه، وظلت الغابة طوال فترة حكم الثعالب "تقوم من حفرة وتقع فى دحديرة"، ولما استوثق من بساطة تفكيرهم، وقلة حيلتهم، وضعف خبرتهم، أعطى ضوءا أخضر لفلول الثعالب القديمة، فتجرءوا ورشحوا أسدا عجوزا أكثر ما يكون شبها بالمخلوع، فبدأ يثير بين الشعب القلاقل التى تنهى ثورته، وتقطع دابره، وبدأ يتبجح فى قول ما لا يمكن أن يفكر فيه أحد منهم حينما كانوا فى جحورهم فى بداية ثورة الحملان.
وفى وسط هذا الغموض والاضطراب برزت مجموعة فتية منظمة من الجياد القوية، والجمال الحمولة، لتدعم صغار الحملان وباقى سكان الغابة المغلوبين على أمرهم، وهى المجموعة نفسها التى كان يخشاها الثعلب العجوز القديم، ويهدد بها سكان الغابات المجاورة، وكانت هذه المجموعة تدعم ثورة الحملان فى بداياتها خفية، فرغم أن الأحصنة والجمال طويلة القامة، مرفوعة الهامة، إلا أنها كانت تتخفى بين الثوار ولا تعلن عن نفسها حتى لا تتجمع أسود العالم وتجهض الثورة فى مهدها، ولكن آجلا أو عاجلا كان سيظهر دورهم، ويبدو لسكان الغابة فعلهم، ويعرف القاصى والدانى صبرهم، فوقفوا بضراوة فى وجه الثعالب، وأعلنوا أنهم لن يسمحوا بعودة النظام البائد، بل أعلنوا أنهم سيشتركون فى حكم الغابة، فبدأت الثعالب ومن يعاونها من الأبقار الحلوبة، والقطط السمان، والقرود التى تلعب على كل الحبال، والحمير التى تنعق بما لا تفهم، يتجمعون ويخططون وينفقون ببذخ لوأد الثورة وعودة النظام الفاسد.
وهنا يدرك أهل الغابة كلهم عمق المخطط، وطبيعة مكر الثعالب ودهائها، فتجمعوا معا، ويقع الثعلب العجوز فيما كان يحذر، ويدرك متأخرا أن ثقته فى ذكائه تسببت فى تجمع أهل الغابة، واستنفرت مجموعة الجياد المنظمة أهل الغابة فاختاروا من بينهم فرسا جميلا، أو قل أسدا حقيقيا هصورا ليقودهم، فوعدهم بأن الغابة لم تعد غابة، ولم تعد ضيعة لأحد ولا عزبة للثعالب، ولم تعد مملكة للذئاب، بل ستصير جنة غناء، تستقطب العالم أجمع، بل تقوده كله نحو مستقبل واعد، وتعلمت الغابات المجاورة درسا لا ينسى فى النظام وإنكار الذات.
------------------------
أستاذ علم النفس بجامعة حلوان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.